تناقص مخيف في عدد سكانه لبنان مهدد بالشيخوخة!

964

جبار عودة الخطاط/

أعراض الشيخوخة تدب في أوصال الجسد السكاني للبنان، أمر من الصعوبة بمكان هضمه، فلبنان الذي ارتبط اسمه بالشباب والصبا والجمال بات اليوم مهدداً بالشيخوخة والهرم؟!

يؤكد تقرير للدكتور رياض طبارة تضمنه كتاب “لبنان مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام” يقول “أن سكان لبنان آخذون بالتناقص وهم يهرمون” مشخّصاً عوامل هذا الهرم ومقترحاً الحلول العلمية لهذه الظاهرة الصادمة! الهجرة من أجل العمل

هذه النتيجة المؤلمة بمعطياتها التي يمضي إليها لبنان والتي يقرع من خلالها طبارة ناقوس التحذير، مردّها الى أن لبنان بدأ يفقد أكثر من 35 ألف مواطن سنوياً في الهجرة، أغلبهم بالتأكيد من فئة الشباب. والهجرة المكثفة، كما يفيد التقرير، أخلّت بالتوازن بين الجنسين في سن الزواج ما رفع بشكل ملحوظ نسبة العنوسة بين النساء، غير أن شيئاً من التوازن حصل مؤخراً بسبب عدد المهاجرات اللبنانيات العازبات الى الخارج أو زواج عدد من اللبنانيات من غير اللبنانيين، بيد أن السبب الرئيس لهجرة اللبنانيين هو الهروب من جحيم البطالة والسعي للحصول على فرصة عمل كما أن السبب الأمني يبرز في هذا السياق.

المصائب والمصاعب بين بلدين

تساءلت قبل أن استطرد في قراءة بحث طبارة ماذا لو أُجري بحث مماثل عن العراق في ضوء المصائب والمصاعب التي تحيق بأبنائه، ماذا ستكون النتيجة؟ بالتأكيد سنكون إزاء معطيات موجعة جداً. ويبدو أن واقعنا في العراق بات أكبر من كل بحث ودراسة! واقعنا مؤلم .. غير أننا نأمل خيراً في قادم السنوات ولعل الانتصارات والمكاسب التي توجت بتحرير الموصل وتلعفر ترسم لنا إشراقة ضوء في نهاية الأرق برغم منغصات الفساد وأخبار قططه السمان المؤلمة!

الحاجة لتعداد سكاني

بالعودة للدكتور رياض طبارة: خبير دولي حائز على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والتنمية البشرية من جامعة “فاندربيلت” في الولايات المتحدة الأميركية وهو دبلوماسي وسفير لبنان السابق في واشنطن للفترة بين عامَي 1994 و1997، وهو اليوم باحث علمي معروف بالعلوم الانمائية..

يذكر طبارة في كتابه الموسوم (لبنان .. مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام) فيقول: لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يقم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بتعداد سكانه. فمن أصل 237 دولة ومقاطعة حول العالم، ليست هناك دولة واحدة لم تقم بتعداد لسكانها منذ استقلالها والذريعة التي نتذرع بها لتفردنا بهذه الميزة هي بكل بساطة أننا لا نريد أن نعرف التوزيع السكاني بحسب الطائفة والمذهب بسبب تأثير ذلك على النظام الطائفي القائم وتوزيع الحصص في داخله، علماً أن الطائف وضع الأسس للنظام الطائفي على أساس المناصفة.
وكل ما نستطيع أن نجزم به هو أن سكان لبنان من اللبنانيين أصبح ثابتاً ويبلغ نحو 3,6 مليون.”

آخر مسح رسمي

ويمضي طباره فيؤكد “نتيجة لهذه الحالة الإحصائية المزرية أصبح الرقم في لبنان وجهة نظر كما يقولون، يولد بحسب الحاجة ودون دراسة ويستعمل لخدمة توجهات السياسيين حول المواضيع المطروحة، فآخر مسح رسمي ظهرت فيه نسبة البطالة قامت به إدارة الاحصاء المركزي عام 2009 أظهر أن الرقم إما 5,6 أو 6 في المئة أو 6,4 في المئة وكل هذه الأرقام غير صحيحة. بينما تفيد تقديرات البنك الدولي لعام 2013، أي بعد دخول النازحين السوريين الى لبنان تشير الى أن نسبة البطالة هي 11 في المئة. وفيما أعلن وزير العمل عام 2015 أن مستوى البطالة وصل الى 32 في المئة، نشرت إدارة الاحصاء المركزي بعد بضعة أيام على كلام الوزير في موقعها أن مستوى البطالة هو 10 في المئة”!

تعدد أسباب الهرم

إذن .. لبنان يفقد شبابه ويهرم كما يذهب طبارة الذي يضيف “أن نمو السكان الاجمالي أصبح بالفعل سلبياً بسبب كثافة الهجرة الى الخارج. وأضاف أن معدل سنّ اللبنانيين المقيمين ارتفع من 19 سنة العام 1970 الى 29 سنة العام 2010 ومن المنتظر أن يرتفع الى 33 سنة في نهاية العقد الحالي. وتابع أنه من المنتظر خلال المدة 2010-2040 أن ينخفض عدد الأطفال (دون 15 سنة) الى أقل من النصف بينما يُنتظر أن يزداد عدد المسنين (65 وما فوق) 83 في المئة ليصبح عدد المسنين أكثر من عدد الأطفال في آخر هذه المدة. مشيراً إن تراجع عدد الأطفال المنتظر خلال المدة 2010-2040 سينعكس بانخفاض متزايد في الطلب على التعليم في المستويين الابتدائي والثانوي، بينما ما زالت المدارس تؤسس وتتوسع بناءً على الاتجاهات التوسعية الماضية. وكشف أن نسبة الإعالة – أي نسبة الذين هم خارج سن العمل (دون الـ 15 سنة و65 سنة وما فوق) الى الباقين (15-64)- ستنخفض بشكل كبير حتى سنة 2040 وأنها ستتحول تدريجياً من إعالة الأولاد خصوصاً الى إعالة الآباء والاجداد”. وبين طبارة “أن عدد المسنّات في لبنان سيفوق عدد المسنين بنحو 30 في المئة في نهاية العقد الحالي وبـ 44 في المئة بحلول سنة 2040 ما يعني أن عدد النساء الأرامل سيشكل الثقل الرئيس والمتزايد في هذه الفئة العمرية”.

الوجه الإيجابي للهجرة

وسط هذا المناخ القاتم يرسم طبارة بارقة أمل ملوحاً بإن “هجرة الشباب تشكّل صمام أمان في وجه ارتفاع مستوى البطالة في لبنان الذي قد تصل الى ضعف مستواه الحالي لولا الهجرة. كما أن تحويلات اللبنانيين في الخارج الى لبنان التي بلغت أخيراً نحو 7,5 مليارات دولار سنوياً تقابلها تحويلات الأجانب العاملين في لبنان التي تصل الى نحو 4 مليارات دولار. لذا، فإن تحويلات اللبنانيين من الخارج تشكل برغم ذلك شبكة أمان للاقتصاد المالي اللبناني وشبكة أمان اجتماعية أكبر للأسر اللبنانية ذات الدخل المنخفض”.