ماسرّ تفوق الطالبات على زملائهن في “البكلوريا”؟

925

 آية منصور/

تفوق “الإناث” على الذكور في كل سنة دراسية أضحى مدعاة للتأمل والتساؤل لاسيما أن بعض الطالبات المتفوقات يعشن ظروفاً بيئية صعبة، حتى أن علامات تفوقهن كسرت نظرية ربط التفوق بتوفر المناخ الجيد للدراسة.فتيات قهرن كل الظروف التي أحاطت بهن ولم يكتفين بتحقيق النجاح بل والتفوق على زملائهن الطلبة..تفوق بطعم الصعوبات التي واجهت الطلبة في العراق وهم يؤدون امتحاناتهم في ظل درجات حرارة عالية وانقطاع متواصل للكهرباء وحتى مع نسبة النجاح المئوية المنخفضة لطلبة الصف السادس في الامتحانات الوزارية والتي بلغت 28% فإن امتحانات هذا العام والأعوام التي سبقته شهدت تفوقاً مثيراً للإعجاب حققته الطالبات اللائي حصدن المراتب المتقدمة في سلّم النجاح وحصلن على أعلى المعدلات خلال السنوات الأخيرة.

امتحانات البكاليوريا حملت معها العديد من المفارقات، لكن “الشبكة” تسلط الضوء على سرّ هذا التفوق المتواصل الذي ارتبط بالفتيات.
في منزل الصفيح!

معدل 93 يخرج من منزل مصنوع من الصفيح! هذا ما حققته الطالبة آية توفيق، التي تعيش في محافظة البصرة، إذ تؤكد والدتها أن ابنتها متفوقة برغم كل الظروف المعيشية الصعبة.

تعيش آية في منزل لا تتعدى مساحته العشرين متراً، وهو منزل آيل للسقوط في أي وقت، لكن حياة آية القاهرة لم تقف أمام طموحها في أن تكون طبيبة لتتمكن من معاجلة والدها الذي يعاني أمراضاً مختلفة.

لا تملك عائلة آية حتى سعر أمبير واحد لشرائه من صاحب المولدة الكهربائية، بل تعتمد على ضوء الشموع أو الفانوس، وأحياناً تستعين بضوء هاتف والدها النقال لإتمام دراستها، إذ، حسبما تقول، إنها لا تستطيع انتظار الكهرباء أو طلوع الشمس من أجل الدراسة، والوقت لا ينتظر أحداً.
كفاح آية دفع وزير التعليم العالي الى تحقيق حلمها وقبولها في كلية الطب،بعد ان صارت قصتها حديث مواقع التواصل الاجتماعي.
عشر ساعات متواصلة!

أما آمنة رضا، التي أحرزت المركز الأول على الفرع الأحيائي في العراق بمعدل 99,8، فهي لم تكن تتوقف عن الدراسة لعشر ساعات متواصلة في اليوم الواحد، ولم تمنعها الظروف الحياتية من الدراسة.

وتؤكد أنها تدرس وفي جميع الأوقات الصالحة للاستيقاظ، عند الفرح والحزن، عند البكاء والضحك! ولا ترى الفيسبوك كثيراً ولا تعرف بقية التطبيقات الأخرى كما أنها قليلة الكلام مع الآخرين.

لا عمل مع الدراسة

مريم البكري، قصة كفاح أخرى، حيث كانت على مدى سنوات تساعد عائلتها بالعمل لكنها اضطررت لترك عملها، في مول النخيل، لعدة أشهر من أجل الحصول على معدل عال، وهذا الوقت مكنّها من الحصول على نسبة 3،91.

تقول مريم: لقد تعبت والدتي كثيراً، بعد مقتل والدي، من أجل اطعامنا، فكنت وأختي نحاول مساعدتها عن طريق عملي البسيط، الآن بإمكاني العمل دون خوف حتى تخرجي وحصولي على فرصة عمل في مكان يؤمن لي العيش الكريم!

تجربة لن تتكرر

يذكر أن الطلبة، وفي كل عام، يمتحنون تحت درجات حرارة أقل ما يقال عنها إنها جحيمية وغير صالحة للتركيز حتى، حيث يرى صاحب اسماعيل، المتخرج تواً بمعدل ٦٢ أنه لاقى أصعب وأتعس أيام حياته على الإطلاق في هذه الامتحانات: لم أستطع التركيز مطلقاً والحرّ يداهم كل فكري، كثير من الأجوبة كانت قد تطايرت من رأسي، وعند خروجي كنت أعلم حجم الخسارة!
أما ليث، الذي وفر له أهله خمسة مدرسين خصوصيين، فقد انتهى به الحال راسباً بخمس مواد، يرى أنه قد عمل مافي وسعه، كما يرى، ويبرر نتيجته بالقول: درسنا شيئاً وكانت الأسئلة شيئاً آخر، والإجابات بالطبع ستكون شيئاً ثالثا، الأمر يتعدى كونه حفظاً من الكتب، وهذا ما لم نتعلمه جيدا. لعلنا نفهم الدرس في المرة القادمة.

مفرح أم محزن؟

ويعلق الكاتب المتخصص بقضايا المجتمع عامر بدر حسون على سر تفوق الفتيات بأن ارتباطه بقاعدة “إن كل خراب الدنيا ارتبط بالرجل! الرجل يهدم والمرأة تبني”!

ويستدرك: ماقلته آنفاً ليس سوى شهادة أردت تمريرها بمناسبة الفوز المتكرر والساحق لبناتنا على أبنائنا! لكن لو كنت في بلد غير العراق ووجه لي هذا السؤال للجأت للعلماء كي يفسروا لي هذه الظاهرة، لكنني في العراق، وعلى هذا فإن الإجابة تبدو واضحة: – البنات سجينات الى حد كبير قياساً للشباب. وكل او غالبية وسائل اللهو المتاحة أمام الشباب ممنوعة على البنات.. استند في هذا الى أن صور الفائزات، وحتى صغيرات السن منهن، تظهرهن بالحجاب وأنهن يعشن في بيئة محافظة.. هذا يعني أن البنت (إضافة لشطارتها وحسن تدبيرها) لا تتمتع بأية فرصة لتضييع وقتها إلا في الدراسة! لا أدري هل أهنئ هذه المخلوقات الذكية الرائعة على النتائج الباهرة التي حصلن عليها.. أم “انقهر” بيني وبين نفسي على حرمانهن من المتع البريئة والمتاحة لغيرهن خارج وضع العراق الحالي؟ وبقليل من التفاؤل أقول إن العالم الذي سيساهمن في تعميره وتجميله وبنائه بعد التخرج النهائي سيكون عالماً جميلاً جداً ولهن أن يفخرن بهذا من الآن!

المئة تشبه الخمسين

أما أستاذة علم النفس في معهد المعلمات سابقا، (سناء)، فتجد أن الفتيات وبالفطرة يمتلكن “حاسة الحرص” اكثر من الذكور وهو ما يدفعهن دائما الى التفوق.

-هذه الغيرة المطلوبة والمحببة تحدث بين فتيات الصف الواحد أكثر من الأولاد، فترى السباق جارياً وبسرعة بينهن، كما أنهن يحاولن دائماً إظهار التفوق في أرواحهن أمام عائلاتهن وأقاربهن. فيما الأمر عكسي عند الشاب الذي يرى أن الخمسين تشبه المئة ولا تختلف عنها كثيراً.
وتؤكد سناء أن للشاب قدرة على تحمل الفشل والدرجات المتدنية, واللهو بأمورعديدة يراها أكثر أهمية من “المعدل” فيما تجد الفتاة أن كل حياتها أصبحت متمحورة حول هذا المعدل الذي سيجعلها أكثر رضا عن نفسها.