ابنتي عالجت كآبتي
عواد ناصر/
عالجتني ابنتي الصغرى، تمارا، من أعراض الكآبة التي رأتها في إيقاع حياتي المنزلية، قبلتني وهي تحتضن ما يتبقى من جسمي، لتهمس:
عطرك حلو، يا بابا. وهذا أول انطباع جعلني أفرح.
استطردت: لا تكتئب، حبيبي بابا، لأن لديك الكثير من النِعم، أولها أنا.
تخيل أنك فقدتني في تفجير إرهابي، كما يحدث في العراق. أو أنك في مخيّم مهجرين سوري. تخيل، حبيبي بابا، أنك فقدت عضواً من جسمك.
كما أنك، يا أحلى أب بالدنيا، تنتمي إلى فصيلة نادرة من الناس: الشعراء. برغم أنني لا أعرف قراءة قصائدك بالعربية.
أصدقاؤك الكثيرون يقولون هذا.
تخيل، باباتي، أنك فقدت بصرك فلم تعد تذهب إلى معارض الفن التشكيلي ولن ترى الندى في صباح الحديقة التي تشذبها يومياً،. ماذا ستفعل لو أردت أن تقرأ كتاباً، وأنا أعرف ما تعنيه الكتب في حياتك.
والأهم، كيف ستكتب يا بابا، أنت الكاتب؟ تخيل أنك فقدت السمع وعجزت عن التمتع بأعظم موسيقى في العالم او أغنيات بلدك.
أنت عرّفتني على “فيروز” التي رقصتُ مع أغنيتها “سلم لي عليه”.
تخيل أنك لن تطبخ لنا “الباستا” بعد اليوم لأنك لم تستطع الاستماع لتكسر فصوص الثوم تحت نصل السكين.
أو أنك فقدت حاسة الشم فلا تميّز رائحة الكمّون من الكاري ، أنت الذي تطبخ كما تكتب قصيدة. أنظر إلى الأسوأ حالاً لتعرف أنك الأحسن حالاً.
أنا، مثلاً، حزينة لكنني لست كئيبة، لأنني بلا حبيب.
قلت لي، مرة، أنك قرأت في مكان ما، نسيته، أن “الكآبة غضب غير معبَّر عنه”. عبر عن غضبك ولا تخَف. إكسر كم صحن أو اطبق الباب بغضب. أصرخ بصوت عال. أكتب قصيدة ضد العالم واشتم القتلة واللصوص والفاسدين في بلدك. هكذا ستفرّغ شحنة الغضب وأنت تعبّر عنه.
حاولت أن أقاطعها وهي تسترسل ضاحكةً وثلّة من الفراشات تحوم حول عينيها: لكن ثمة ألماً دفيناً لا يسعني توضيحه، وهو خارج عن ما كل ما ذكرته يا حبيبتي. ألمٌ غير منظور وبلا سبب متداول.
خرجت إلى الحديقة أدخن. لحقتني تمارا وأنا أنظر إلى القمر الذي كان في تمام عافيته.
لم أقل لها: إنه في تمام عافيته هنا، بلندن، بينما هو مريض فوق بغداد.
شكراً، حبيبتي تمارا، وأنا ، فعلاً أحسن حالاً بعد هذه الجلسة الحميمة.