كيف نظر مثقفون عراقيون لاستفتاء كردستان؟
في كلّ حدث مفصليّ يمر به العراق تجد أن للمثقف حضوره الذي لا يمكن أن يملأه سواه. فعلى الضدّ من الصورة النمطية التي كانت سائدة عن المثقف الذي لا يحبذ الانغماس في شأن عامّ، تاركاً تفسير الوقائع وتغييرها للجهدين السياسي والإعلامي، فإن صورة جديدة مغايرة بدأت تتضح معالمها في العراق الجديد، هي صورة المثقف المنشغل عميقاً بالشأن السياسي ـ الاجتماعي، طارحاً آراءه بقوة وجرأة، ومنخرطاً في احتجاجات ضدّ الظواهر السلبية.
يمرّ وطننا اليوم بحدث بارز تمثل بالاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان العراق، والذي يرى فيه البعض مقدمة للانفصال وبالتالي لتقسيم العراق.
وإزاء حدث كهذا لا بدّ أن يكون صوت المثقف الواعي لما يراد بالوطن واضحاً صريحاً.
في هذا الاستطلاع التقطنا بعض الأصوات المثقفة العراقية البارزة للاطلاع على ما تفكر به النخبة العراقية في مواجهة حدث مصيري يحدد مستقبل الوطن برمّته.
فتش عن البعث!
الأكاديمي والناقد “عبد الخالق حسن” أنحى باللائمة على بقايا البعثيين الذين “دمروا العراق سابقاً، واليوم بحلفهم غير المعلن مع مسعود بارزاني يقودون العراق إلى هاوية سحيقة. كل الذي يحصل اليوم هو مخطط يديره بعثيون وضباط مخابرات صداميون.”
وأضاف حسن “ما يقلقنا هو كون مايجري على يد من يغامر بأمننا وأمن أخوتنا الكرد من أجل بقائه وتسلطه هو وأبنائه على رقاب الكرد. وأن توقيت الاستفتاء يأتي بعد انتصاراتنا على داعش وسحقه، لذلك فالواجب الوطني يستلزم من الجميع دعم رئيس الوزراء الذي أدار الأزمة إلى الآن بطريقة متوازنة، برغم المنزلقات الخطيرة التي تعترض عمله.. والواجبُ هنا منوطٌ بدعم البرلمان والأحزاب.”
هل هو دستوري؟
بينما يتساءل الشاعر نصير غدير عن دستورية الاستفتاء فيقول: “ما هي بنود قانون الاستفتاء التي تحدد آلياته؟ بمعنى كيف يتم تحديد من يحق له الإدلاء بصوته في الاستفتاء، وما هو العدد الكلي للمصوتين، وكيف ستتم معرفة النصاب في التصويت؟ بمعنى أنه لو تم التصويت لأقل من نصف عدد الناخبين، كيف سيتم تحديد ذلك وهل سيكون الاستفتاء ناجحاً؟! وما هي المؤسسات الرقابية الحيادية التي ستقوم بمراقبته؟!” مشيراً إلى أن “هذه كلها أمور تهدد مصداقية نتائج الاستفتاء.. بغض النظر عن شرعيته عن عدمها”.
من مثقف كردي
الكاتب الكردي”رزكار عقراوي”، صاحب موقع “الحوار المتمدن”، رأى أن ما حدث ليس انتصاراً للشعب الكردي وإنما للسلطة وحكامها، مفضلاً أن يخاطب أشقاءه الكرد بقوله “للأسف اليوم هو ليس انتصاراً لكم، بل انتصار كبير لحكام إقليم كردستان، ذلك أن القادة الكرد نهبوا معظم إيرادات إقليم كردستان العراق ومع ذلك جُددت البيعة لهم باسم الاستفتاء من أجل الاستقلال”!
عقراوي أضاف “الذي جرى ليست له أية علاقة بالحق الشرعي لساكني الإقليم لتقرير مصيرهم، ولذلك قررت مقاطعته أسوة بثلث سكان الإقليم”.
وختم عقراوي حديثه بالقول إن “جبهتنا الإنسانية هي للمناهضة والنضال ضد التعصب القومي سواء أكان عربياً أم كردياً أم تركمانياً.”
خارطة العراق ليست لعبة
الشاعر والصحفيّ حسين القاصد قال إن البارزاني نفسه رئيس مؤبد من دون انتخابات، وهو لايمت للديمقراطية بأية صلة، لاسيما منعه لمجلس النواب من الاجتماع، عاد ليطلب من مجلس النواب مباركة الاستفتاء ورفض قرارات مجلس النواب العراقي ونسي ان الاستفتاء عملية ديمقراطية تتقاطع مع نهجه الاستحواذي، ومضى باتجاه الاستفتاء، وصار له ذلك، وتم الاستفتاء، فماذا بعد؟”
وتساءل القاصد “ماذا سيقدم القادة الكرد للذين سيقالون من مناصبهم بعد تصويتهم، وكيف سيتدبر أمره وأمر الشعب هناك لو قامت الحكومة بقطع كل التعاملات المالية مع المحافظات الثلاث، وماذا سيقدم لكركوك التي يتفق كل العالم على أنها حالة خاصة لا تنضم الى إقليم.”
القاصد أشار إلى أن “سياسة فرض الواقع دائماً ما تنقلب على صاحبها وتفرض عليه واقعاً مريراً جداً، وكل الدلائل تشير إلى استحالة انفصال كوردستان بمحافظاته الثلاث، فكيف سيكون الأمر لو تم الانفصال وفق الخارطة التي أعدّها القادة الكرد.”
لا للحياد
فيما يوجه الإعلامي نبيل جاسم كلامه إلى الأشخاص الذي لم تكن لهم رؤية واضحة في هذه الأزمة بقوله إن “الدفاع عن الخارطة ليس وجهة نظر. لذلك إذ أحببت أن تلتزم السكوت فهذا حقك، لكن دون التبرير والتصفيق لدكتاتور، فلا يوجد دكتاتور أحمر أو دكتاتور أصفر، هذا خيارك نعم، لكن دون أن تجيب على فعل سياسي خطير بتوجيه الاتهام للناقدين أو المعترضين أو تخويفهم! وما يجري واضح جداً، فلا تدافع عن مصلحتك بطريقة بائسة.”
تلك الليلة
الإعلامي مشرق عباس تحدث عن تلك اللحظة التي كان يخشاها العراقيون جميعاً ويعني بها اللحظة التي يأتي فيها نبأ تقسيم العراق “في الغالب لن تسنح لأحد فرصة النوم هانئاً في الليلة التي تسبق تقسيم العراق. سيتقلب أصحاب القرار في أسرّتهم طويلاً. إنهاء دولة من الوجود تحت بند «القتل الرحيم» سيقض مضاجع الجميع، الجيران والقوى العظمى والدول التي تنتظر دورها على لائحة التقسيم، وقبل ذلك شعب هذه الدولة الذي سيصبح غداً شعوباً ودولاً، تنصب حدوداً، وتسك نقوداً، وتطبع بطاقات هوية، وتخوض حروباً جديدة للدفاع عن هذه البطاقات.”
أضاف عباس: سيردد الشيعة والسنّة والأكراد عبارات متشابهة: «لم تعد هناك فرصة للتعايش معهم، بذلنا كل الجهود للحفاظ على العراق، لكن الآخرين دفعوا الأمور الى هذه النهاية.»
وتساءل “ماذا لو قررت البصرة أن نفطها لا تستحقه السماوة والديوانية وكربلاء؟ وماذا سيفعل السنّة؟ هل يعيدون تأسيس دولة «البعث»؟ أم الدولة الإسلامية في العراق والشام؟ هل هم مستعدون لحرب طويلة مع الأكراد والشيعة على الأرض والماء وحقول النفط المشتركة؟ مَنْ سيدعمهم، هل تهتم تركيا بما بعد حدود الموصل؟ وهل ينشغل العرب بما يحدث خلف الصحراء؟ وهل يرى الأكراد حقاً أن بمقدورهم إنهاء تقاسم النفوذ الإيراني– التركي على أرضهم بقرار سياسي؟ هل يمكن من دون الوضع الجيوسياسي الحالي تحقيق توازن بين تشكيل الدولة وتطمين طهران وأنقرة بأن لا «كردستان كبرى» ستقضم حدودهما الحالية”؟
ويختم حديثه بالقول “ستطارد الجميع العلامات الحدودية وتقسو عليهم التأويلات. للمرة الأولى صار بإمكان المهزوم أن يكتب تاريخه، سيختارون بعد سهر طويل أن يقولوا لأحفادهم: «لم تكن لنا يد في كل ذلك… ما كان يُدعى العراق ضيّعته المصادفات»!
من أجل دولة المواطنة
وكتب طالب عبد العزيز:
من خلال مشاهد التصويت على الاستفتاء الخاص باستقلال كردستان، وبغض النظر عن كل ما يقال في آلياته ونتائجه، يمكننا القول بأن الأشقاء الكورد فرحون بـ (الدولة الموعودة) ذات الطابع القومي الواضح، وهي رغبة متجذرة في النفس الكوردية، التي حرمت من أي شكل من أشكال الدولة، بمعناها السياسي والدبلوماسي والسيادي، ويبدو الأمر حقاً مشروعا وحلماً لكن، للأسف جاء الاستفتاء متأخراً، فقد تجاوزت شعوب العالم فكرة الدولة الوطنية الى دولة المواطنة، وما عادت الدولة القومية هاجساً عندها لما فيها من المشاكل . شخصياً، وحتى وقت قريب كنت أعتقد بأن التجربة المدنية في حكومة كردستان واحدة من التجارب التي يمكن أن تتطور لتنتج لنا مجتمعاً مدنياً، متحرراً ومن ثم نظاماً مؤسساتياً متقدماً، بعيداً عن الدولة الدينية التي تولت السلطة في بغداد. وكنت أمنّي نفسي بأن يكون الشكل ذاك محرضاً لحكومة بغداد في التخلص من فكرة الدولة الدينية تلك باتجاه دولة المواطنة والمدنية والتحضر. تمنيات من القلب أن لا تتعمق فجوة الخلاف بين بغداد وأربيل.
نعم للحب والسلام
أما الإعلامي هفال زاخويي فقد كتب:
الحرب بين أبناء شعب واحد عارٌ كبير، لذا أدعو بكل صدق الجميع من أبناء هذا الشعب عرباً وكورداً وتركماناً ومسيحيين وصابئة وإيزديين وبخاصة أبناء المناطق المتنازع عليها إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء خطاب الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض أجهزة الإعلام، وعدم الانجرار وراء الخطاب السياسي والإعلامي المحتقن والمتشنج، وأدعو الحكماء والعقلاء من الأصدقاء الكرام للمساهمة في حملة تهدئة الأوضاع، يجب أن يكون لنا صوت الحكمة والتعقل، عارٌ كبير أن نرى من جديد أمهات عراقيات عربيات او كرديات او تركمانيات او آشوريات او كلدانيات او إيزيديات او صابئيات يفقدن فلذات أكبادهن من أجل حروب -لاسمح الله- هي حروب الزعماء وليست حروبنا نحن… الأمور ستهدأ إن كان لنا صوت حقيقي للحيلولة دون وقوع كوارث، كما أطالب الزعماء بكافة مكوناتهم السياسية الى تبني منطق الحوار الهادئ ومفاهيم السلم المدني والمساهمة في تطييب الجراح لا تعميقها، كل حرب قادمة – لا سمح الله – ستكون حرباً بين المساكين والفقراء ولن تكون بين القادة والزعماء، ففي النهاية هم سيجلسون على طاولة الحوار ويتعانقون، ولا نريد أن تكون حصتنا زيارة مقابر أبنائنا، نحن إخوة، شاء الساسة أم أبوا نحن إخوة في الإنسانية، في الوطن، في العيش المشترك، العرب والكورد والتركمان والصابئة والمسيحيون والإيزديون والشيعة والسنّة إخوة في الدم في المصير في العيش المشترك، صدقوني أيها الأخوات والإخوة أنَّ القادة والزعماء لن يبكوا على ضحايانا… معاً نحو الحياة والحب … تباً لثقافة الكراهية… باقة الورد هذه لكل أبناء وبنات العراق … لبناتنا وأبنائنا.