الصحافة الورقية..محاصرة بالأزمات.. لكنها تقاوم
حسين محمد الفيحان /
اغلقت العشرات من الصحف اليومية في العاصمة بغداد أبوابها مع استمرار الأزمة المالية التي ضربت البلاد.
وتواجه الصحف الورقية عموماً مزيداً من الصعوبات فهي لا تتمكن أحياناً من تسديد بدلات ايجار مبانيها ورواتب محرريها وأجور طَبَعَاتِها, ولم تعد صحف عديدة، مستمرة على الصدور، قادرة على منح أية مكافأة مادية لكتابها، وخفظت صحف أخرى عدد طبعاتها في الأسبوع، فلم تعد تصدر يومياً. لكن مع ذلك هناك من يعتقد أن الصحف الورقية “عصية على الموت”!
أزمة كبيرة
وأعلن إسماعيل زاير رئيس تحرير صحيفة (الصباح الجديد) أنه يواجه أزمة مالية شديدة جداً قد تفضي إلى غلق جريدته في الأيام المقبلة, بسبب الأزمة المالية وعدم قدرة الصحف الورقية على تحمل كلف صدورها، وتراجع عدد قرائها, اثر اتساع رقعة الصحافة الالكترونية كما يقول عدد من المتخصصين في مجال الصحافة و الإعلام.
وبلا شك فقد أدى التطور الهائل الذي شهدته وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في الفترة الأخيرة, إلى تغيير خريطة المنافسة في عالم الصحافة التي بدأت تتحول لصالح الصحافة الالكترونية، بعد أن كانت هذه المنافسة تنحصر بين الصحف الورقية ذاتها، واكتسب هذا النوع الجديد من الصحافة أهمية بالغة منذ ظهوره أوائل التسعينات من القرن الماضي، وتزايدت أهمية الصحافة الالكترونية مع انتشار الانترنت، وتضاعُف أعداد مستخدميه، فأصبحت غالبية المؤسسات الصحفية على الصعيدين العالمي والعربي، تمتلك مواقع الكترونية لمطبوعاتها الورقية، لكن الجديد هو ظهور نوع جديد من الصحف غير التقليدية، وهو ما عُرف بـ (الصحف الالكترونية) والتي يقتصر اصدارها على النسخة الالكترونية من دون المطبوعة.
الصحافة الالكترونية
المتخصص في الصحافة الالكترونية وأستاذ الإعلام الرقمي الدكتور عادل فهمي أكد لـ (الشبكة) أن التحول الذي شهدته الصحافة بنسختها الالكترونية اثر ذلك بشكل مباشر على النسخة الورقية مبيناً أنه هناك من يتصور خطًأ أن الفرق بين الصحافة الالكترونية وغيرها هو مجرد سطح القراءة فقط، لكن هناك فوارق أخرى كثيراً تميزها عن الصحافة الورقية والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
– الصحافة الالكترونية في الغالب تتبع الحرية الكاملة التي يتمتع بها القارئ والكاتب على الانترنت، مع تخطى الحدود المحلية والعربية والدولية، وحدود القانون والرقابة، بخلاف الصحافة الورقية التي تكون بالعادة قيد التعديل من قبل الناشر لأكثر من مرة وفقاً لسياسة و توجهات الصحيفة.
-النص الالكتروني دائماً مفتوح ومن الممكن أن يمتد ليضفي معلومات تاريخية وعلمية ويخدم الحدث عبر كل فروع المعرفة مما يدعم مصداقية الخبر.
– التفاعل مباشر بين القارئ والكاتب مع امكانية المشاركة بينهما في عملية التحرير، من خلال التعليقات التي توفرها الكثير من الصحف الالكترونية للقراء في أداء آراءهم حول ما ينشر.
– التكاليف المالية الضخمة عند الرغبة في إصدار صحيفة ورقية بدءاً من الحصول على ترخيص مروراً بالإجراءات الرسمية والتنظيمية على عكس الصحافة الالكترونية حيث لا يستلزم الأمر سوى مبالغ مالية قليلة لتصدر الصحيفة الالكترونية بعدها بكل سهولة مع عدم حاجة الصحف الالكترونية إلى مقر موحد لجميع العاملين إنما يمكن إصدار الصحف الالكترونية بفريق عمل متفرق في أنحاء العالم.
مستقبل الصحافة
اما أستاذ مادة الاتصال في جامعة بابل ورئيس قسم الإعلام الدكتور كامل القيم قال لـ ( الشبكة): أن الصحافة الورقية و الالكترونية ستكون مكملة لبعضها، مستبعداً أن تطغى وسيلة على الأخرى، لأن مستقبل الإعلام يعتمد في رأيه، على تكامل وسائله وتعاونها وقدرة كل منها على مواكبة الحدث بالتقنيات الحديثة. مشيراً إلى أن المهنية هي (طوق النجاة الأول)، وحائط الصد المنيع أمام كل الاتهامات التي توجه إلى الصحافة بشكل خاص، والإعلام عامة.
أهمية التدوين
ويعتقد أستاذ الصحافة الدكتور حاتم علوّ أن الصحافة الالكترونية تفتقر إلى الديمومة التي تتصف بها المطبوعات الورقية. وأن معظم ما نعرفه عن ماضي البشرية مدون بطرق مختلفة على الأشياء المادية: ألواح الطين، أوراق البردي، الأحجار، الجلود، ثم الورق ولولا هذا التدوين لضاع تاريخ البشرية ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة. والأسوأ من ذلك أن التراث الرقمي ان صح التعبير يمكن تغييره أو تحريفه بسهولة، خلافا للآثار المادية للتأريخ. وثمة إمكانية للوقوف على أي تغيير أو تحوير أو تشويه في الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما في النصوص الالكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبداً.
وهنا يمكن القول الصحافة الورقية عصية على الموت، ولا يزال هناك عدد غفير من الناس وبضمنهم أصحاب ألمع العقول البشرية وخيرة المثقفين، الذين تربطهم علاقة عاطفية بالورقة والقلم ولا يمكنهم الاستغناء عن الصحافة المطبوعة والنشر الورقي طوال حياتهم ، إضافة إلى مئات الملايين من القراء الذين لم يكتشفوا بعد العالم الرقمي ولا يتعاملون الا مع الورق.