القدس: مدينة الأديان وعاصمة فلسطين

973

إياد عطية /

بالرغم من أن القرار الأميركي الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي لن يحسم الصراع التاريخي على القدس ولا حتى الصراع الديني، لكن ترامب اخترق واحداً من الثوابت التاريخية والسياسية والدينية ووجّه صفعة إلى الأنظمة العربية المنسجمة مع سياسته في المنطقة.

والحق أن ترامب نقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى خانة مختلفة تنقضّ على تطلّعات السلام ومحاولة إيجاد حل للقضية الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط، وفرض على العرب والمسلمين تحدياً جديداً سواء أكانوا على قدر هذا التحدي أم عاجزين عن مواجهته، إنه تحدي الوجود والهوية.

لايمكن أن يتعامل العرب مع الوضع الجديد بإخفاء رؤوسهم كالنعام، ولا من خلال محاولات امتصاص غضب الشارع العربي بفعاليات لن تعالج الآثار العميقة لهذا القرار، ولهذا ينبغي أن يكون العرب على قدر عال من المسؤولية، فعلى الأقل يتطلب منهم مراجعة خططهم الستراتيجية والسياسية إن كانت لديهم خطة أو رؤية في صنع الحدث وليس انتظار الأحداث.

موقف عراقي

وبالنسبة إلى العراق، وبالرغم من أن خروجه للتو من معركة كبيرة مع الإرهاب خاضها مع حلفاء بينهم الولايات المتحدة الأميركية، فقد كان موقفه بين طليعة المواقف العربية على الصعيد الديني والسياسي والشعبي.
فقد عدّ العراقيون ّ قرار ترامب استفزازاً لمشاعرهم، مؤكدين أن القدس عاصمة لدولة فلسطين المحتلة. وشهدت بغداد والمدن الأخرى خروج الآلاف في تظاهرات، ورفضت الحكومة العراقية القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.

وحذرت من «التداعيات الخطيرة لهذا القرار على استقرار المنطقة والعالم، وما يمثله من إجحاف بحقوق الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي والأديان الأخرى، إذ أن القدس هي عنوان للتعايش بين جميع الأديان والأمم، وليس من حق أية دولة مهما بلغت أن تشرعن الاحتلال، وتتجاوز على القرارات الأممية وأن تمس الحقوق المشروعة لفلسطين.»

واعتبرت أن القرار يؤدي إلى «تصعيد التطرف وخلق أجواء تساعد على الإرهاب وزعزعة السلم والاستقرار في العالم.»

وعلى إثر الموقف الحكومي، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، استدعاء السفير الأميركي في بغداد ديوغلاس سيليمان لتسليمه مذكرة احتجاج، كما حذّر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، من «عواقب وخيمة» بعد القرار الأميركي، فيما دعا كل الفلسطينيين إلى توطيد وحدتهم الوطنية.

وقال في بيان، «نرفض قرار الولايات المتحدة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل مقر السفارة الأميركية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس»، محذراً من «العواقب الوخيمة التي ستشهدها المنطقة والعالم من حروب ونزاعات مسلحة وتفاقم للإرهاب». واعتبر أن «القرار مجحف وغير مبرر للإدارة الأميركية ويمثل ضربة شديدة لعملية السلام في المنطقة»، مشيراً إلى أن «هذا القرار يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، فضلاً عن انتهاكه للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني الشقيق». وجدد رئيس الجمهورية «تأكيد العراق على أن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية لا يتحقق إلا بحل الدولتين القاضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة الحقوق على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف.»

كذلك اعتبر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يقوض جهود حل الدولتين»، داعياً الدول العربية والإسلامية إلى عقد اجتماع عاجل.

وقال في بيان، إن “المنطقة ليست بحاجة إلى أزمة جديدة، وعلى الإدارة الأميركية إعادة النظر في هذا القرار بما يخدم مصلحة السلم العالمي.”

السيد السيستاني يستنكر

موجة الانتقادات لم تقف عند الوسط السياسي، بل تعدته إلى الأوساط الدينية، عقب «استنكار» المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي السيستاني قرار الإدارة الأميركية، ودعوته إلى تضافر جهود الأمة «لإعادة القدس إلى الفلسطينيين».

ونقل الموقع الرسمي لمكتب السيد السيستاني عن مصدر مسؤول في المكتب قوله، إن هذا القرار مدان ومستنكر، وقد أساء إلى مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين.

وأضاف: «لكنه (القرار) لن يغير من حقيقة أن القدس أرض محتلة، يجب أن تعود إلى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن»، مشدداً على أهمية أن “تتضافر جهود الأمة وتتحد كلمتها في هذا السبيل.”

وعدّ رئيس ديوان الوقف السنّي عبد اللطيف الهميم قرار ترامب “مؤامرة كبرى”، وقال في كلمة ألقاها أمام جامع «أم القرى»، «إننا قادرون على تحرير فلسطين كما هزمنا الإرهاب وحررنا المدن بوحدتنا»، مشيراً إلى أن «قرار الرئيس الأميركي مؤامرة كبرى وينبغي على الحكام أن يتعظوا»، كما أعرب خلال الكلمة عن أمله في “اللقاء عند المسجد الأقصى”.

أقوى الردود صدرت من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، الذي أكد: “نستطيع الوصول إليها عبر سوريا، وعليها الحذر أفضل”.
وأضاف، في كملة متلفزة، من مقر إقامته في النجف، وجهها إلى أنصاره على خلفية القرار الأميركي: “على جميع الدول الإسلامية والعربية إغلاق السفارات الأميركية ولو مؤقتاً”.

تشير الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية الصادرة نهاية العام 2000 إلى أن تعداد السكان في المدينة ارتفع بنسبة 2 % من إجمالي السكان البالغ 646,3 ألف نسمة، بينهم 436,7 ألف يهودي بنسبة 67,6 %، في حين يبلغ عدد السكان العرب 209,5 ألف عربي بنسبة 32,4 %. إلى ذلك الوقت كان نمو السكان العرب ضعف اليهود، وفي عام 2016 أشارت مصادر الكتاب الإحصائي الإسرائيلي إلى أنه يعيش في القدس اليوم 542 ألف يهودي (مقارنة بـ187700 قبل خمسين سنة) و 324 ألف عربي (مقارنة بـ86600 قبل خمسين سنة). في السنوات الأخيرة يبدو أن المعادلة لم تعد تعمل ديمغرافياً لصالح الفلسطينيين حيث أن معدل الإنجاب للمرأة اليهودية وصل إلى 4.28، في المقابل تراجع معدل إنجاب المرأة الفلسطينية إلى 3.23 نتيجة التحديث والتغيير الاجتماعي وغياب رؤية مركزية لحقائق الصراع.

أولى القبلتين

تعدّ القدس واحدة من أكبر مدن فلسطين وعاصمتها، تسمى في النصوص القديمة من الإنجيل والتوراة باسم أورشليم أي بلد السلام. وتعتبر مدينة مقدسة للمسيحيين والمسلمين واليهود، ففيها كنيسة القيامة التي قام المسيح بن مريم بعد صلبه حسب الرواية المسيحية، وهي للمسلمين أولى القبلتين تتبعها مكة المكرمة وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة والمدينة المنورة، ويعتقد اليهود بأن فيها هيكل سليمان. تعتبرالقدس من أقدم مدن الأرض، فقد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من 18 مرة في التاريخ، وترجع نشأتها إلى 5000 سنة ق.م، حيث عمرها الكنعانيون، وأعطوها اسمها، وفي 3000 ق.م. سكنها العرب اليبوسيون، وبنوا المدينة وأطلقوا عليها اسم مدينة السلام، نسبة إلى سالم أو شالم “إله السلام” عندهم، وقد ظهرت في هذه المدينة أول جماعة آمنت بالتوحيد برعاية ملكها “ملكي صادق”، وقد وسع ملكي صادق المدينة واطلق عليها اسم “أورسالم” أي مدينة السلام. وحملت القدس العديد من الأسماء عبر فترات التاريخ، ورغم هذا التعدد إلا أنها حافظت على اسمها الكنعاني العربي.

ظاهرة حضارية

وتمثل القدس ظاهرة حضارية فذة تنفرد فيها دون سواها من مدن العالم، فهي المدينة المقدسة التي يقدسها أتباع الديانات السماوية الثلاث، فهي قبلة لهم ومصدر روحي ورمز لطموحاتهم.

شيدت النواة الأولى للقدس على تلال الظهور (الطور أو تل أوفل)، المطلة على بلدة سلوان، إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، لكن هذه النواة تغيرت مع الزمن وحلت محلها نواة رئيسة تقوم على تلال أخرى مثل مرتفع بيت الزيتون (بزيتا) في الشمال الشرقي للمدينة بين باب الساهرة وباب حطة، ومرتفع ساحة الحرم (موريا) في الشرق، ومرتفع صهيون في الجنوب الغربي، وهي المرتفعات التي تقع داخل السور فيما يُعرف اليوم بالقدس القديمة.

وتمتد القدس الآن بين كتلتي جبال نابلس في الشمال، وجبال الخليل في الجنوب، وتقع إلى الشرق من البحر المتوسط، وتبعد عنه 52كم، وتبعد عن البحر الميت 22كم، وترتفع عن سطح البحر بنحو 775م، ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، وهذا الموقع الجغرافي والموضع المقدس للمدينة ساهما في جعل القدس المدينة المركزية في فلسطين.

وكانت القدس موضع أطماع الغزاة، فقد تناوب على غزوها وحكمها في العهد القديم: العبرانيون، الفارسيون، السلوقيون، الرومانيون، والصليبيون، أما في العهد الحديث فكان العثمانيون، والبريطانيون، كلهم رحلوا وبقيت القدس صامدة في وجه الغزاة وسيأتي الدور ليرحل الصهاينة، وتبقى القدس مشرقة بوجهها العربي.

قامت المنظمات الصهيونية المسلحة في 28.4.1948 باحتلال الجزء الغربي من القدس، وفي عام 1967 تم احتلال الجزء الشرقي منها، وفي 27.6.1967 أقر الكنيست الإسرائيلي ضم شطري القدس، وفي 30.7.1980 أصدر الكنيست قراراً يعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. وقد تعرضت القدس للعديد من الإجراءات العنصرية تراوحت بين هدم أحياء بكاملها مثل حي المغاربة، ومصادرة الأراضي لإقامة المستعمرات، وهدم المنازل العربية أو الإستيلاء عليها، والضغط على السكان العرب من لترحيلهم.

وكانت أكثر الأشكال العنصرية بروزاً هي مصادرة الأراضي، فقد صادرت إسرائيل ما يزيد على 23 ألف دونم من مجموع مساحة القدس الشرقية البالغة 70 ألف دونم، منذ عام 1967، وأقيم عليها نحو 35 ألف وحدة سكنية لليهود، ولم تتم إقامة أية وحدة سكنية للعرب. وما زالت إسرائيل مستمرة في مصادرة الأراضي من القدس.

وتحيط بالقدس نحو عشرة أحياء سكنية، وأكثر من 41 مستعمرة، تشكل خمس كتل استيطانية..
والقدس حافلة بالمباني الأثرية الإسلامية النفيسة، ففيها أكثر من مئة بناء أثري إسلامي، وتُعتبر قبة الصخرة أقدم هذه المباني، وكذلك المسجد الأقصى، وفي عام 1542م شيد السلطان العثماني سليمان القانوني سوراً عظيماً يحيط بالقدس، يبلغ محيطه أربع كيلومترات، وله سبعة أبواب هي: العمود، الساهرة، الأسباط، المغاربة، النبي داود، الخليل، الحديد.