عراقيو السويد.. يعيدون ليالي خان مرجان وأمسياته الساحرة
سمير ناصر /
يعتبر خان مرجان في شارع الرشيد ببغداد من المواقع التراثية والأثرية الجميلة خلال العقود الماضية. ويعد هذا المرفق الحيوي من الأماكن السياحية المتميزة والفريدة من نوعها في منطقة الشرق الاوسط، ويعد من أقدم وأعرق الصروح الموجودة في بغداد. ويتذكر البغداديون جيداً أن خان مرجان يستقبل رواده يومياً في أمسيات غنائية ليلية، وفي جلسات سمر قد تطول حتى الصباح الباكر مع نخبة من مطربي ورواد المقام العراقي الجميل أمثال الفنانين يوسف عمر وحسن خيوكة ومحمد القبانجي وعازف الجوزة شعوبي ابراهيم وغيرهم من الفنانين الذين أغنوا الحركة الفنية والموسيقى العراقية بالمقامات المتميزة والنادرة. ويصف أبناء بغداد القدامى جلساتهم في مبنى خان مرجان بالشاعرية، كون هذا المكان مصمماً وفق الطراز المعماري الجميل، ومزيناً بالنقوش الإسلامية، إضافة الى جمالية الساحة المكشوفة الواقعة وسط البناية. وقد بني خان مرجان في مدينة بغداد عام 1358 ميلادية على شكل مستطيل، يبلغ طوله 30 متراً وعرضه 11 متراً وارتفاعه 14 متراً، ويحتوي على عدد من الغرف في الطابقين الأرضي والعلوي، حيث بني وفق الطراز البغدادي القديم الذي تتميز به العمارة العراقية القديمة.
خان مرجان جديد
في مدينة غوتنبيرغ، والتي تعتبر ثاني أكبر المدن السويدية بعد العاصمة ستوكهولم، تم إنشاء مقر كبير مشابه، الى حد ما، لخان مرجان البغدادي، ومصمم وفق أحدث التصاميم التي تذكّرنا بالمكان البغدادي الجميل، ليجمع أبناء الجالية العراقية المتواجدين في هذه المدينة في جلسات سمر ليلية، وفي أجواء عائلية ساحرة لقضاء أوقات ممتعة تنسيهم هموم الحياة اليومية ومتاعبها، كما يعتبر هذا المكان الوحيد والفريد من نوعه في السويد والذي نراه مزدحماً على مدار أيام الاسبوع، وترتاده أيضا العوائل العراقية بصحبة أطفالهم أيام العطل الرسمية والأعياد والمناسبات المختلفة، ويعتبر هذا المكان فرصة ثمينة للقاء الأحبة والأصدقاء والأقرباء وتبادل الأحاديث فيما بينهم.
تحويل الحلم إلى حقيقة
عن فكرة تأسيس هذا المكان، وما يقدمه للعراقيين من خدمات اجتماعية وثقافية وفنية، التقت (الشبكة العراقية) الأستاذ جاسم محمد الباوي المسؤول عن هذا المكان التراثي الجميل، الذي حدثنا قائلاً: بعد المداولة مع صديقي ريان أفرام سفر، وهو عراقي سرياني من الموصل، عن فكرة افتتاح جمعية ثقافية اجتماعية للعراقيين وعوائلهم في مدينة غوتنبيرغ لتكون متنفساً جديداً وملتقى اجتماعياً لهذه العوائل، ولكن على طراز خان مرجان في بغداد، وقد اتفقنا على ذلك وجسدنا هذه الفكرة التي تحولت الى واقع ملموس بعد ان أصبح الحلم حقيقة، وأخذ رواد الجمعية بالتزايد يوما بعد آخر، لكون هذا المكان يعد أحد تجمعات الشباب من أبناء العراق ومن أعمار مختلفة لقضاء أوقات الفراغ وسط أجواء
بغدادية ساحرة تذكرهم بوطنهم العراق وبمدينتهم العزيزة بغداد.
ويستذكر الباوي قائلاً: كان والدي تاجراً للأقمشة في الشورجة ببغداد، ومقر خان مرجان لم يكن بعيداً عن مكان تواجدنا هناك، وقد كان لدي الفضول والرغبة لمعرفة ماذا يعني خان مرجان وما يحتويه هذا المرفق الجميل وماذا يقدم للضيوف، وبعد معرفتي بتأريخ هذا الصرح التراثي، تأثرت به كثيراً وبقي عالقاً في ذهني، ثم قررت أن أجعل من هذا المكان مقراً جديداً في مدينة غوتنبيرغ السويدية من أجل إحياء هذا الصرح وديمومته. وقد عملنا فعلاً على ما كنا نحلم به ونجحنا والحمد لله. كما قررنا عمل نشرة جدارية كبيرة تعلَّق على حائط الجمعية يوضح فيها التاريخ الكامل لخان مرجان ومعززة بالصور القديمة التي تجسد تلك الفترة من القرون الماضية، موضحاً أن الجمعية يرتادها أيضا بعض المواطنين السويديين من أصدقاء الشباب العراقي. وخلال تواجدهم المستمر تبيّن أنهم فخورون جداً بالتراث العراقي الأصيل ويعشقون المقام والمواويل العراقية، كما أنهم مغرمون بالآلات الموسيقية العراقية القديمة مثل الناي والقانون والعود والطبل والمزمار وغيرها من الآلات التراثية الجميلة.
هويات مجانية للمشتركين
وعن الجانب التنظيمي والإداري لجمعية خان مرجان قال ريان أفرام سفر مسؤول الادارة: من أجل تنظيم العمل وانسيابيته بالشكل الصحيح، قررنا منح الهويات المجانية للمشتركين الذين لديهم الرغبة بزيارة مقرنا ليكونوا أعضاء شرف فيه، ولكن بشرط وجود كفيل للمشترك، وذلك من أجل المحافظة على سمعة الجمعية التي وضعت شروطاً ليست بالتعجيزية وتعتبر طبيعية جداً، وذلك من أجل الابتعاد عن بعض المشاكل ومنها عدم تناول المشروبات الروحية داخل المقر لأن هناك العديد من العوائل العراقية ترداد هذا المكان، إضافة الى منع الحديث بمسائل السياسة والدين والمواضيع التي قد تسبب السجال غير المبرر وتخلق المشاكل، موضحاً أن الجمعية تمنح تخفيضاً 50 بالمائة للأعضاء الحاصلين على هوية الاشتراك ومنها حجز القاعة لأغراض إقامة حفلات الزواج او عقد القران او أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات، حيث أن القاعة تتسع الى أكثر من (250) شخصاً، واصفاً جمعية خان مرجان بالشجرة وأن المشترك فيها هو أحد غصون هذه الشجرة، ويضيف: يشهد المكان تقديم أنواع مختلفة من العصائر والأراكيل فضلاً عن توفير عصير حجي زبالة المشهور في شارع الرشيد ببغداد، مشيراً الى أن الجمعية استضافت العديد من الفنانين الشباب ومنهم محمد السومري وفرهنك جميل الذي شارك في مسابقة عرب آيدل وأيضا الفنان فيودر يوسف، كما أحيى كل من الفنانين باسم العلي ومهند محسن وحسام الرسام العديد من الحفلات الساهرة في مقر الجمعية وبحضور جمهور غفير من الجاليتين العراقية والعربية ومن مختلف المناطق والمحافظات السويدية إضافة الى حضور الشباب العراقي المتواجد ضمن الدول الإسكندنافية والقريبة من السويد ومنها الدنمارك والنرويج وفنلندا، مشيراً الى أنه ستكون هناك استضافة لعدد آخر من الفنانين العراقيين خلال الموسم المقبل، حيث ستوجه الجمعية الدعوات لهؤلاء الفنانين لإحياء الحفلات الساهرة للجالية العراقية في مدينة غوتنبيرغ.
وأوضح سفر أن هناك قاعة أخرى في الجمعية تسمى (بيت اللعب) مخصصة للأعضاء فقط، وتشتمل على العديد من الألعاب المسلية منها البليارد والشطرنج والدنبلة اضافة الى الألعاب الالكترونية، فيما هناك العديد من الفعاليات المختلفة والتي تخصص لها الجوائز التقديرية للفائزين من المتسابقين لتكون حافزاً وتشجيعاً للشباب العراقيين وعوائلهم.