ارتفاع حالات الطلاق بين عراقيي السويد
سمير ناصر/
الكثير من الناس في البلدان العربية يختارون مملكة السويد لتكون محطتهم المفضلة وأملهم المشرق في العيش الرغيد لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في الأستقرارالنفسي والمعنوي وتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية ، وأغلبهم يهربون عنوة من بلدانهم ليتخلصوا من الجور والطغيان والتعسف وخيبة الأمل والصراعات والحروب التي تشهدها تلك البلدان …
ولكنهم يصطدمون فيما بعد بمفاجآت قد تجعلهم يندمون على حصولهم حق اللجوء والهجرة والإقامة، ويكاد يكون واحداً من هذه الأسباب منح المرأة العربية والمسلمة في السويد كافة الحقوق،ونجد الأنظمة والقوانين السويدية تعطي للمرأة المساحات الواسعة من الحرية والانفتاحات الكبيرة التي لاتحدها حدود في كافة المجالات الحياتية والاجتماعية … ونتيجة لهذه الحرية المفرطة شهدت الفترة الأخيرة وفي جميع المدن السويدية ظاهرة ارتفاع نسبة حالات الطلاق بين الأسر العراقية والعربية المسلمة، التي أدت الى أرتفاع نسبة التفكك الأسري والضياع والتشرد وخصوصا لدى الأطفال.
الطلاقات
يقول محمد شنان الغزي
بالرغم من أن الأنظمة والقوانين السويدية تكاد تكون منصفة جداً لعموم الأسر المتواجدة في دولة السويد، إلا أن ظاهرة الطلاقات أصبحت منتشرة بشكل لا تحمد عقباه لاسيما لدى الجاليات العربية والإسلامية، وهناك العديد من الأسباب التي أدت الى هذه الطلاقات ومنها الحرية المفرطة للمرأة في الحياة العامة، اذ نلاحظ أن الكثير من النساء المسلمات والعربيات لا يستوعبن هذا التغيير الطارئ والمفاجئ في حياتهن منذ بداية حصولهن على حق اللجوء والإقامة والمواطنة في دولة السويد، فيما نجد هناك اختلافاً في المستوى الثقافي للأسر وتمسك البعض من هذه الأسر بالعادات والتقاليد والطقوس الدينية عند الكثير من الجاليات الإسلامية، وأيضا هناك البعض الآخر من الأسر التي تجدها تتخوف من المجتمع المحيط بها وتعتبره مجتمعاً جديداً عليها وعلى حياتها الاجتماعية. مضيفاً أن الاختلاط في المدارس والعمل والتبادل الاجتماعي اليومي والحاجة الى التسوق يعطي الكثير من الحرية للمرأة للتبضع والاختلاط والاطلاع على مايدور حولها في المجتمع، ما يدفع الكثير من الرجال ذوي الأفق الضيق بالشك والريبة، وهذا يدفع اختلاق الحجج والمشاكل في الأسرة وخاصة اذا كانت ضمن الأسرة بنات شابات بعمر البلوغ .
وأشار الغزي الى أن الضحية الأولى للعوائل غير المنضبطة والتي تكثر فيها الطلاقات هم (الأطفال) الذين لا أحد يرعاهم او يهتم بهم، وهذا ينعكس على حياة هؤلاء الأطفال في الروضة والمدرسة، وأيضا ينعكس على سلوكهم اليومي في تكوين شخصيتهم في المستقبل. ومن وجهة نظري أن الجالية العراقية هي من أقل الجاليات الإسلامية والعربية في انتشار حالات الطلاق، وذلك أن الكثير من العوائل العراقية تتدخل لإيجاد الحل المناسب للمشاكل وتحاول التوافق بين الزوجين بالاضافة الى تواجد الشخصيات الدينية والوجوه الاجتماعية والتواصل في الجوامع والحسينيات لإلقاء المحاضرات الأسبوعية على الشباب والشابات في النصيحة والإرشاد ومحاولة قدر الإمكان الابتعاد عن حالات الطلاق التي تتسبب في تدمير هذه العوائل وتحطيم مستقبلها ومستقبل أولادها بالكامل .
بين المجتمعين
فيما يؤكد ناظم زغير التورنجي: أن أسباب حالات الطلاق بين العوائل العراقية في السويد تعود بعد حصول تلك العوائل على حق الإقامة في السويد، الى العديد من العوامل أبرزها الاختلاف الكبير في العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية بين المجتمعين العراقي والسويدي، فوصول الزوجين الى السويد قادمين من مجتمع ذكوري وعشائري، يعني الدخول في مجتمع متحرر من العديد من الضغوط والالتزامات والأطر الاجتماعية التي تؤطر الحياة الزوجية في العراق (الأهل، العشيرة، المجتمع) فالحرية المطلقة والحماية القانونية التي توفرها السلطات والهيئات الاجتماعية السويدية تمنح المرأة و(الرجل) أيضا مساحة وفضاءً واسعاً من الحرية والخيار المستقل في اتخاذ قرار مواصلة الحياة الزوجية او الانفصال بلا زوج يرهق المرأة بالطلبات والاستحكامات والممنوعات، في ظل توفير امتيازات اضافية للمرأة المطلّقة والحماية القانونية والدستورية والمدنية، اذا ما شاءت الطلاق والانفصال .
وقال إن الكثير من حالات الزواج التي تمت عبر العلاقة بين أهل الفتاة في العراق وأهل الشاب في السويد أو(العكس) بحكم علاقات القرابة او المعرفة الاجتماعية السطحية او وسائل الاتصالات المختلفة، انتهت الى الطلاق بعد فترة زواج قصيرة جداً لأسباب عديدة أهمها بروز حقيقة الفجوة بين الواقع الاجتماعي المختلف، اذ يجد كل من الشاب او الفتاة نفسيهماغريبين على بعضهما في كيفية التعامل مع مطلبات الواقع الاجتماعي السويدي، أي بمعنى أن جلب الفتاة الى السويد كزوجة او جلب الشاب القريب الى السويد كزوج لقريبته تعد مغامرة او مجازفة غير محسوبة العواقب.
تفتت الروابط الإنسانية
ويشيرعلي رسول الى أن ظاهرة ارتفاع نسبة الطلاقات بين أبناء وبنات الجاليات العراقية والعربية في السويد، ترتبط ارتباطاً عضوياً بتبعية المرأة من الناحية الاقتصادية للرجل في بلدان العالم الثالث، والتي تصبح فيه المرأة تابعة للرجل بسبب عدم تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل حيث يتمتع الأخير بفرص العمل والكسب من الناحية الاقتصادية وحرمان المرأة من التعليم والعمل ما يؤدي إلى ضعف وضعها الاقتصادي. أما في المجتمعات المحافظة فإن المرأة تبقى حبيسة الرجل بسبب الحاجة الاقتصادية والحاجة الجنسية التي ربما تتوفر لغيرها من النساء وبذلك تكرس تبعيتها للرجل أي (زوجها) ولا تؤدي إلى حالات الطلاق .
وأضاف رسول أن نسبة الطلاقات، كما معلوم اليوم، وبعد تحسن الوضع الأقتصادي للمرأة العراقية، قد زادت بشكل كبير في العراق حسب الإحصائيات الحكومية ارتباطاً بهذا العامل المهم الذي كان يحول دون طلب الطلاق من قبل المرأة من الزوج الذي لا يلبي طموحاتها الاقتصادية والجنسية والإنسانية، فأصبحت نسبة الطلاقات تشبه الى حد كبير نسبتها في الدول المتطورة، والتي تتمتع فيها المرأة بكامل الحرية الاجتماعية والاقتصادية وبذلك لم تكن أسيرة الرجل وتابعة له بل تقع هي في نفس ميزان التكامل والتكافل الاجتماعي .