قصار القامة.. بلا حقوق اجتماعية
يعقوب يوسف جبر/
كفل الدستور العراقي لقصار القامة حقوقهم المدنية، انطلاقاً من مبدأ المساواة في الحقوق والمراكز القانونية، لكن ماذا عن الاضطهاد الذي يتعرضون له من بعضهم؟
يرى الاختصاصيون السايكولوجيون إن الأشخاص قصيرو القامة أكثر عرضة للعقد النفسية، ويبدو أن السبب الرئيس يتمثل في شعورهم بالنقص ونظرة البعض من الناس من ذوي القامات الطبيعية لهم نظرة استخفاف، بالرغم من أن قصار القامة هم بشر مثلنا وينتمون للمجتمع الإنساني، لكن سلوكية الاستخفاف هي موروث شعبي سلبي أنتجه الجاهلون، لذلك ثمة حاجة ماسة لبث الوعي لحماية قصار القامة من هذه التجاوزات.
التقزّم وأنواعه
ثمة اختلاف فيزيائي جسدي لقصار القامة فهم ليسوا على شاكلة واحدة، الشخص المتقزم هو الذي يتراوح طوله بين 80-142 سم، والعلاج الذي يعطى للقزم لا يزيد من طوله إنما هو لمنع المضاعفات التي قد تحدث، ومرض التقزم ينقسم إلى قسمين: تقزم غير متناسق الأعضاء وتقزم متناسق الأعضاء، وغير المتناسق هو الذي تكون رقبته قصيرة أو ثمة تقوس في عموده الفقري أو تقوس في عظام الفكين، أما التقزم المتناسق، وهو الأخطر طبعاً، فتكون كل الأعضاء متناسقة لكن هذا النوع قد يصاب بالتخلف العقلي ويكون أكثر عرضة لفقدان السمع لأن الأذن تبدأ بفقدان الشمع من داخلها .
قصر القامة مناعة!
اكتشف علماء بريطانيون أن مجموعة من الأقزام يعيشون في منطقة لارون في الإكوادور بأميركا الجنوبية لديهم مناعة طبيعية ضد السرطان وأمراض القلب، وهو ما يفسر أنهم يعمرون لمدة طويلة، وذكرت الدراسة التي نشرتها صحيفة الديلي ميل البريطانية أن هذا الاكتشاف قد يكون فاتحة لإنتاج لقاح يقي من أخطر الأمراض التي عرفتها البشرية.
قصار قامة مبدعون
يبدو أن قصر القامة كان حافزاً لبعضهم ليبدعوا في مجالات شتى، يقول الشاعر حيدر شاكر النجم “السخرية منهم جعلتهم أفضل، فقد برز فيهم المبدعون والفنانون.”
السخرية أقبح السلوكيات
يواظب بعض المغفلين والسذج على السخرية من قصار القامة في محاولة للنيل من كرامتهم الإنسانية والحط من قدرهم، يقول الأكاديمي صادق جعفر الخير الله “الكثير من قصار القامة ينصدم أثناء تفاعله مع الآخرين من كثرة السخرية لذا فالدعم العائلي واهتمام المؤسسات الاجتماعية بهم له الدور البالغ في مساعدتهم على تخطي الأزمة وأقصد هنا مساعدتهم في مواجهة التحديات في مجال التعليم والعمل ويجب أن نوفر لهم العيش الذي يشعرهم بالحياة الطبيعية واستقرارها.”
الحديث عن المعاناة
كثير من قصار القامة أفصحوا عن معاناتهم المتجددة بدءاً من الوضع المعيشي المتردي وانتهاءً بطبيعة تعايشهم مع المجتمع والمشكلات التي تحدق بهم، ومنها الاستخفاف بهم والنيل منهم من قبل السفهاء وصغار العقول وثمة مشكلة أخرى يعانون منها وهي قصر قامتهم غير المتناسب مع الوظائف الفيزيائية التي لا بد لهم من ممارستها كالمشي، فثمة صعوبة يجدونها في نقل أقدامهم ورسم خطواتهم يقول خليل كوكز حسن، قصير القامة،: “ولدت عام 1968 في مدينة الرفاعي محافظة ذي قار، وبسبب قصري أعاني من صعوبة في المشي، وأناشد المؤسسات الخيرية بمساعدتي، كما أناشد الجهات الحكومية بمد يد العون لي فأنا بحاجة إلى دراجة خاصة بالمعاقين أستعين بها على التنقل، أما مشكلتي الأخرى فهي أنني بلا عمل يناسب طول قامتي، كما أنني بلا راتب حتى من شبكة الحماية الاجتماعية لذا أناشد وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالنظر في مشكلتي وتخصيص راتب لي ولعائلتي، لدي أطفال قصار قامة مصابين بمرض الكساح فمن يساعدني لعلاجهم؟”
أين دور الحكومة؟
إن من ضمن مسؤوليات الحكومة؛ العناية الفائقة بقصار القامة وتقديم كل ما يلزم لهم، لكن ثمة تلكؤاً واضحاً من قبل الجهات المعنية، فبعض قصار القامة يعيشون ظروفاً معيشية صعبة. يقول الكاتب المسرحي حميد شاكر الشطري “من خلال اطلاعي على شريحة قصار القامة في المجتمع العراقي عامة أحزنني أن بعض قصار القامة يلجأون إلى منظمات المجتمع المدني لأنهم يئسوا من مراجعة الدوائر الحكومية الرسمية لطلب العون، ومن خلال تماسي بتلك الشريحة المظلومة لمست أن أعضاءها لم يحصلوا على أبسط الحقوق التي نص عليها الدستور العراقي ونصت عليها لائحة حقوق الإنسان، أنا ضد ظاهرة استغلال قصار القامة من قبل القنوات الفضائية وبعض المخرجين لجعلهم أضحوكة الزمن وإظهارهم كالشخصيات الكاريكاتيرية المخجلة، كما أطالب الجهات الحكومية المسؤولة بالشروع بدراسة أحوالهم وفتح آفاق مستقبلية أمامهم، وإشعارهم بأنهم شريحة اجتماعية محترمة في هذه الحياة، فيجب أن لا يسمحوا لأحد من ضعاف النفوس من العاملين في بعض وسائل الإعلام التلاعب بمقدراتهم واستغلالهم للسخرية منهم بحفنة من الدنانير. “
المساواة في الإنسانية
إن قصار القامة مثل بقية البشر، لهم حقوق على المجتمع الذي يعيشون معه، ومن الخطأ امتهان كرامتهم وهضم حقوقهم، فهم مواطنون عراقيون كفل الدستور العراقي حقوقهم وبينها بوضوح، فلماذا يتم تهميشهم ونسيانهم؟ ومن حق قصار القامة المؤهلين منهم الترشح لمجالس المحافظات والهدف هو إزالة الفوارق الاجتماعية ونزعة التمييز على أساس الجسد، تعزيزاً لمبادئ حقوق الإنسان ومعايير الديمقراطية وصيانة لحقوق الإنسان وترسيخاً للنظام الأخلاقي الذي نصت عليه الشرائع السماوية المتضمن تحقيق المساواة بين جميع البشر دون استثناء.