الجنديّ البريطاني الذي رسم شيوخ عشائر المنتفك

1٬580

كريم راهي/

إدوارد باودن (1903-1989)، الفنان المصور والرسام، ومصمم أغلفة الكتب والبوسترات الانجليزي، ولد وحيداً لإدوارد وإليانور باودن، والتحق بالمدرسة في سن السابعة.
كان مولعاً في طفولته بتقليد رسومات القطط في المجلات المصورة، واستمر بهوايته في تقليد الأعمال الفنية في الدراسة الأولية مما حدا بمعلميه إلى أن يجدوا له مقعداً،
وهو بسنّ الخامسة عشرة، للدراسة في معهد كامبرج للفنون ليوم واحد في الأسبوع، لكنه سرعان ما حصل على مقعد دائم في هذا المعهد، ثمّ تخرج منه بعد ثلاث سنين، ليكمل دراسته العليا في المعهد الملكي، ويتخرّج ويعمل مدرساً للرسم فيه، إضافة إلى العمل في الصحافة المحليّة كرسام اسكيتشات. ثمّ تزوّج من شارلوت.
ذاع صيته وصار فيما بعد، واحداً من أهم رسّامي تلك الحقبة، مما حدا بالحكومة إلى أن تستدعيه مع نشوب الحرب العالمية الثانية للخدمة في صفوفها بصفة رسام، واحد من خمسة فنانين منتخبين للعمل كرسامين. رافق قوات الجيش البريطاني إلى فرنسا، ثم التحق بعد إجلائها من هناك إلى شمال إفريقيا، حيث سيكلّف برئاسة (اللجنة الإستشارية لفناني الحرب) ويجوب إريتيريا، إثيوبيا، ليبيا، مصر والسودان قبل أن يتحول إلى الشرق الأوسط ويتنقّل بعدها مابين فلسطين وسوريا ولبنان، ثمّ في آخر سنوات الحرب، إلى العراق، حيث ستضع الحرب أوزارها ويعود إلى بلاده مؤرشفاً الكثير من مشاهداته في تلك البلدان في تخطيطات ورسومات بالألوان المائية في مجموعة تعدّ اليوم واحدة من أهم محتويات (المتحف الحربي الإمبراطوري) في إنجلترا.
عاد باودن لبلاده بعد أن عانى من ويلات الحرب ما عاناه، فقد شهد تفجير (إرمنتريس) والجلاء من (دونكريك) ونجا من ثلاث نوبات ملاريا، وسار بحدود 300 ميل مع فوج شارك بحرب إثيوبيا، واعتقل لشهرين في الدار البيضاء قبل أن تحرّره القوات الأمريكية. وبعد قصف (لاكونيا) وإغراقها، قضى خمسة أيام في قارب وسط البحر بانتظار انقاذه، حتّى أدركته سفينة فرنسية.
لوحات مميزة عن الحياة اليومية
لقد جوّب باودن أثناء خدمته في العراق، على طول البلاد وعرضها، وأنتج لوحات مميزة عن الحياة اليومية فيها، إذ تعدّ أعماله عن بنجوين (مشهد على القرية) وسنجار (الشيخ روسكو حاجي وخاصته تحت أشجار الزيتون) والعمادية (المدينة ومخيّم اللاجئين الآثوريين) والسليمانية (حصاد السنابل) من العلامات البازرة في أعماله لتلك الحقبة، ثم توجّه لتصوير الحياة اليومية ببغداد بعدة أعمال (حياة الكرد، قارب العرض السينمائي، مخيم القسم الصحي على دجلة ببغداد، النجار اليهودي يوسف حاييم شمّيل، شرطة العراق، رجل الأطفاء.. إلخ)، لكنّ تكليفه بمشروع دراسات عن عرب الأهوار، كان له الدور الأكبر في إنتاج سلسلة رسومات فنية ستعدّ من فرائد ما قدّمه الفنانون الغربيون عن العراق. فلقد التقى باودن شيوخ ورؤوساء قبائل المنتفك (الناصرية)، وعايش حياتهم في الأرياف والأهوار، وصارت رسوماته عن تلك المناطق، ممّا يؤرّخ للذاكرة الجمعيّة فيها. كمشاهده عن الشطرة، وقرية الحاج مكطوف الحاج حسن شيخ عشيرة ألبو خليفة، ومضارب الشيخ شريف الحافي شيخ عشيرة بني حطيط.
لوحة للشيخ حجّي مكطوف
ولوحاته: وقت الغروب بانتظار وليمة العشاء خارج مضيف الشيخ فرهود آل فندي، ومن داخل منزل الشيخ حجي خيون آل عبيد في الشطرة.
كما رسم لوحة للشيخ حجّي مكطوف شيخ آلبو خليفة وأولاده الأربعة، ورسم الشيخ حمودة المزيعل والد الشاعر المعروف الشيخ ثامر حمودة المزيعل، إضافة للوحتين عن نهر مقاطعة الشيخ مزهر الكاصد، وهو من شيوخ آل حچام وواحدة لشقيقه الشيخ ريسان.
أما أهم لوحاته فهي الرسمة التي أرّخت للمناسبة التي أقيمت في مضيف الشيخ فرهود آل فندي من شيوخ آل حچام حيث التحضيرات على أشدها لإعداد وليمة وحفل ترفيهي على شرف سعادة موسى كاظم متصرف لواء المنتفك والميجر بيركيلي المستشار السياسي المحلّي للقوات البريطانية عام 1944. والتي حضرها شيوخ العشائر المنظمة تحت راية لواء المنتفك.