الانتخابات.. في مدينة العمارة أيام زمان
جبار عبد الله الجويبراوي /
منذ عام 1861م إلى عام 1958 م والمجتمع العماري لم يتغير كثيراً من حيث تركيبه الاجتماعي فهو مكون من مجتمع حضري لا تزيد نسبته عن ( 10% ) من مجموع سكان العمارة ومجتمع ريفي تشكل نسبته في بادئ الأمر نحو ( 90% )، ثم انخفضت تدريجياً حتى وصلت إلى (75% ) من مجموع سكان العمارة الكلي، وذلك في عام 1958م .
والمجتمع الريفي قبلي تسوده السنن العشائرية غير المكتوبة وقوانين أوجدتها السلطة العثمانية عام 1912م ، وأخرى سنتها حكومة الاحتلال الإنكليزي عام 1918م.
ويخضع أبناء الريف إلى سلطة الشيخ المالك الحقيقي للأرض الزراعية التي هي عبارة عن مقاطعة كبيرة تسمى بـ (ديرة العشيرة) يتفانى في الذود عنها أفراد القبيلة ويشتغلون في فلاحتها لقاء حصة قليلة من الحاصل لا تسد الرمق.
والشيخ يمتلك قوة كبيرة في حمايته وتنفيذ أوامره، فهو القاضي في حالات النزاع وإصدار الأحكام بحق المخالفين من أفراد العشرة وهو المُشرِّع للقوانين فيما يخص استغلال الأرض وزراعتها وتخصيص المراعي “المحميات” لحيواناته وهو الآمر بأعمال السخرة وكل شيء يخص العشيرة.
زار مدينة العمارة (الدكتور محمد حسن سلمان1909ـ 1985) الذي شغل منصب وزير المعارف في حكومة الدفاع الوطني عام 1941 ، ووزير للصحة في وزارتي جميل المدفعي السادسة والسابعة عام 1953، وفي وزارة نوري السعيد الثانية عشرة عام 1954، كما كان وزيرا للصحة ورئيسا لجمعية مكافحة التدرن في العراق، وكان ينوي افتتاح مستشفى مكافحة التدرن في العمارة.
وبهذه المناسبة حضر الوزير إلى مدينة العمارة لافتتاح المستشفى وتنظيم ادارته واعماله فمكث بضعة أيام في ضيافة المتصرفية، وتعرف إلى وجهاء البلد، ومشايخها ( كالشيخ محمد العريبي، والشيخ مجيد الخليفة شيخي البو محمد )، وقد أفاد من هذه المعرفة عندما قرر ترشيح نفسه عن نيابة العمارة في الانتخابات التي جرت بعد حل المجلس النيابي الذي حيل بينه وبين دخوله قبل عامين ونيف بالخدعة التي جرت في المنطقة السادسة في بغداد عام 1949 .
في عام 1952 توجه إلى العمارة، وقد أصبح له فيها معارف ومؤيدون كثيرون لوجوده فيها مدة، وفتحه لمستشفى الأمراض الصدرية هناك، وقد شجعه كل من الشيخ محمد العريبي، والشيخ مجيد الخليفة، شَيخَي البو محمد، على ترشيح نفسه، وقد كان للعمارة في ذلك الحين ثلاثة نواب، اثنان منهما من العشائر، والثالث جرى العرف أن يُرشح له أحد المثقفين من بغداد.
ولا أنكر أن الفوز بمقعد النيابة في مثل تلك الأيام، ومثل تلك الظروف الاجتماعية السائدة يستلزم دعماً حكومياً ولا شك، فلا ماضي المرشح، ولا مبادؤه ولا أهدافه لها الأثر أو المفعول لدى طبقات الناخبين، ومعظمهم من الأميين في تلك الأصقاع ، كما لا يمكن اتباع أي أسلوب انتخابي مثالي في مثل تلك الأجواء، ومن يدعي غير ذلك يكون أبعد الناس عن الواقع المعروف، فالانتخابات الحرة الديمقراطية لا تجري إلا في البلاد العريقة بالديمقراطية الصحيحة، وبلادنا لم تكن ضمن تلك البلاد في ذلك الوقت في الأقل.
وجرت الانتخابات بإملاء الناخبين، ومعظمهم أميّون، أسماء من يريدون انتخابهم على مسجّلـَين قد خصصا لذلك فكان الوزير يسمع أصوات الناخبين: الشيخ (أبو عباس) أي محمد العريبي، والشيخ مجيد الخليفة، واسم ثالث ( دختور بغداد – دكتور بغداد ) ويقصدون (الوزير) حيث كان معظمهم لا يعرفون اسمه الكامل، فكان الكاتب يعلم ما يقصدون فيسجل اسمه الكامل، ويتلوه عليهم فيؤيدون ذلك، كما كان البعض يشير بإصبعه نحو الوزير، حيث كان يقف بجوار صناديق الاقتراع، وهكذا جرت الانتخابات، ولم تكن مثالية طبعاً، كما لم يكن في الإمكان اجراؤها على غير هذا الشكل، وفي منطقة عشائرية كالعمارة هذه، وإذا كان مفهوم الانتخابات النيابية هو أن تختار بنفسك من ينوب عنك فقد تم ذلك الاختيار واقعياً سواء بالكتابة أو النطق أو الإشارة بالإصبع ممن حضر من الناخبين… هذا ما وصل إليه منطق الوزير في حينه وهو ما عرفه ورضي به من دخل المجلس النيابي، وهكذا صار الوزير محمد حسن سلمان نائباً في المجلس النيابي عن لواء العمارة منذ عام 1952 حتى عام 1956.