تسريب الأسئلة.. هزّة عنيفة ضربت التربية والتعليم في الصميم

1٬840

إيفان حكمت – آمنة السلامي – آية منصور – ذو الفقار يوسف/

أثار موضوع تسريب الأسئلة الوازرية في امتحاني الإسلامية واللغة العربية جدلاً واسعاً في الأوساط الرسمية والشعبية، وعد أقوى هزة عنيفة ضربت التربية والتعليم في هذا البلد الذي على ما يبدو أن ( ثقافة ) الفساد بدأت تظهر نتائجها فيه على المستوى الاجتماعي والتربوي والاقتصادي.وربما يقول قائل إن تسريب الاسئلة يحدث منذ زمان ويحدث في العديد في من الدول كمصر وتونس وسوريا، لكن ماحدث في الواقع هنا ليس تسريب لأسئلة قد تأتي وقد لاتأتي في الامتحان، انما هو بازار امتحاني تنافست فيه عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” تحت عنوان “تسريب الاسئلة الوزارية”، متعهدة بإيصالها الى من يدفع ثمن شرائها، وبأسعار تنافسية ايضاً، مايعني ان الجهات التي تورطت في عملية تسريب الاسئلة هي جهات( صاحبة قرار ومؤتمنة على الأسئلة )، لكنها الخيانة والخراب الأخلاقي وعدم الشعور بالمسؤولية وانه الفساد الإداري والمالي الذي يضرب بقوة مفاصل الدولة وركائزها ومستقبلها ايضا.

التربية والتعليم

في اول رد فعل لها أقرت وزارة التربية بتسرب الأسئلة الوزارية لامتحان الإسلامية للصف السادس مؤكدة انها فتحت تحقيقاً، لكن الناس اعتادت على نغمة فتح تحقيقات دون اغلاقها ودون تحميل المسؤولين مسؤوليتهم ومحاسبة المقصرين.

فيما أعلنت وزارة التعليم العالي انها لن تتحمل مسؤولية استقبال خريجي الصف السادس في جامعاتها وانها تدرس إمكانية اجراء امتحان تنافسي لجميع خريجي الصف السادس بعد قبولهم في كلياتهم حتى يتبين الطالب المجد من الطالب الذي اعتمد الغش وتسريب الاسئلة، ووصفت ردة الفعل هذه بالإيجابية. وأكدت اللجنة الدائمة للامتحانات بوزارة التربية في بيان صادر عن المكتب الإعلامي الخاص بالوزير محمد إقبال الصيدلي “فتح تحقيق عاجل وواسع حول ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص تسريب أسئلة مادة التربية الإسلامية”، مضيفةً أنها ستتخذ قرارها في ضوء نتائج التحقيق .

وأضاف البيان أن “جميع الخيارات متاحة أمام اللجنة، وأنها ستعلن نتائج التحقيق حال إتمامها”، مشدداً على “عدم التهاون في إحالة كل من قصر أو حاول التقصير إلى المحاكم الجنائية المختصه لينال جزاءه، حفاظاً على سلامة العملية الامتحانية”.

من جانبه، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد الرزاق العيسى: “سنعمل مع وزارة التربية والجهات الأخرى المعنية على وضع حد وحل نهائي لظاهرة تسريب الأسئلة الامتحانية لطلبة السادس الإعدادي خاصة بعد الأنباء التي انتشرت حول تسريب أسئلة مادة الإسلامية لأن ذلك يؤثر بشكل كبير على مستقبل أبنائنا الطلبة ويخرج جيلاً غير قادر على بناء مستقبل بلده”.

روايات

قصص وروايات كثيرة ترامت في الساحة حول اسباب التسريب ومن المسؤول عنه، اصابع اتهام لا تحصى وجهت للوزارة ومسؤوليها، طلاب واهالي ومصادر كثيرة اخرى رسمية وغير رسمية تعزو السبب الى خلل في عمل الوزارة التي تعاني فسادا تغلغل في مفاصلها.

امتحانان أمام الطالب

(رسمية خليل) والدة إحدى الطالبات المشاركات في الامتحان تقول: ان “الطالب هو من يدفع الثمن دائما سواء في إعادة الامتحان تحت ضغط نفسي كبير وفي ظل طقس حار، والأدهى من ذلك ان وزارة التعليم العالي تعهدت بمعالجة هذه الظاهرة وقد تلجأ الى إجراء امتحان تنافسي لجميع الخريجين لقبولهم في الكليات والمعاهد، أي ان الطالب سيخضع الى امتحانين من أجل قبوله في الكلية أو المعهد، الامتحان الوزاري، وامتحان وزارة التعليم العالي، وهذا ظلم كبير غير معمول به في أي من دول العالم، فما ذنب الطالب لكي يدفع ثمن الفساد في وزارة التربية وترهل مؤسساتها.”

الضغط يولد الانفجار

(تيماء ظافر) طالبة مرحلة اخيرة، حبيسة غرفتها، فراشها الكتب والاوراق، تكاد لا تغادر غرفتها الا للضرورة القصوى، تدرس دون توقف حتى انها تغفو على كتبها، حسب تعبيرها، تقول تيماء لـ”الشبكة”: “تمر الساعات وانا اقرأ للامتحانات حتى اني اكاد أفوت وجبات الطعام كي لا اتوقف عن الدراسة، افكر بمستقبلي بعد مرحلة السادس كثيرا واود ان احقق معدلا عاليا يؤهلني ان احقق مفخرة لنفسي ولأهلي”، تضيف تيماء”مزقت ردائي، وبكيت حد الإجهاد والانهيار عند الغاء نتائج الامتحان، فأين حصيلة مجهودي في الدراسة؟ ما ذنبنا نحن من يدرس بجد وجهد دون الاعتماد على اي وسيلة من وسائل الغش أو التسريب وما الى ذلك؟ أطالب وزارة التربية بتعويض مجهودي ووقتي وضغطي النفسي وانهياري.”

صدمة في الوزارة

مصدر مطلع في وزارة التربية قال لـ”الشبكة” ان “آليات توزيع الاسئلة الوزارية هي ما تتيح تسريبها، حيث ان نسخة الاسئلة التي تضعها اللجنة المشرفة للامتحانات المكونة من وكيل وزير ومدير عام لجنة الامتحانات وتسعة أساتذة اختصاص في المادة، تعطى لمديريات التربية قبل ثلاثة أو أربعة أيام، ولنا ان نتصور وجود هذه النسخة في 15 محافظة وبتعدد المديريات، إذ ان في بغداد وحدها توجد ست مديريات تربية، تحتوي بدورها على أقسام شبيهة بالمديريات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل مناطق الحسينية والمعامل.”

ويؤكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان “حادثة تسريب اسئلة الامتحانات لمادة التربية الاسلامية على نطاق واسع شكلت ما يشبه الصدمة داخل أروقة وزارة التربية، إذ أدت الى تغيير تلك الآليات التي سمحت بالتسريب، وتضييق الهوة من خلال إجراءات وآليات جديدة كان في مقدمتها إلغاء كافة الاسئلة الموضوعة لمواد الامتحان الوزاري للسادس الاعدادي ووضع أسئلة جديدة، كما ان الآليات الجديدة تقضي بان تكون الاسئلة بظرف مختوم وان لا تفتح الا بحضور لجنة يمثلها عضو من اللجنة الدائمية للامتحانات، مديرالتربية المهنية وممثل عن مكتب المفتش العام بوزارة التربية.”

بيع الاسئلة

(نور ابن كربلاء، مقداد العزاوي، احمد شاكر) وغيرهم من الذين اتخذوا لهم اسماء رمزية تجنبهم المساءلة، كان على رأسهم المدعو “نيمار ابن الأنبار” الذي اتسعت شهرته في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحديد في برنامج “التلكرام” حيث اتخذ من قنوات هذا البرنامج ملجأً سرياً ليقوم بنشر مايمليه عليه الظلام، مساوماً الحروف بالعملات، مهدداً بأفعاله ليالي السهر المتعب، وآمال الآباء لرؤية ابنائهم يخطون نحو مستقبل مشرق.

“نيمار” وامثاله عملهم يشبه غسل الاموال، إلا أن الأموال هنا آمال، حيث يقوم بتسريب اسئلة الامتحان وبسعر اولي وبمبلغ ليس بالقليل الى احد المدرسين او الطلبة، وبالتالي تكون هناك سلسلة طويلة من التسريبات التي تحرق الاخضر واليابس، فالطالب الذي لم يقرا قبل الامتحان، يجدها منفذاً ومخلصاً نحو امل النجاح، اما الآخر الذي قد تعب في دراسة المادة قد يعتمدها كمرجع وملخص لما قراه، وقد يركز عليها اكثر وقد يشكك بغيرها من المعلومات، اما سلسلة تنقلات الاسئلة فتكون عشوائية اكثر مما تكون مرتبة ومنظمة، بسبب الغاية الأهم وهي الربح المادي وباسرع وقت ممكن، فـ(ابن الانبار) وغيره يقوم ببيع الاسئلة للمقربين وذلك لثقتهم به، ثم بعد ذلك يقوم بنشرها على عدة حسابات وهمية بمبالغ رمزية، وبالتالي يقوم من يشتريها منه ببيعها حتى يستطيع ايفاء ما دفعه، وقد تصل المبالغ الى مئات الدولارات، او بواسطة كارتات لتعبئة الرصيد، اما الوقت فهو مهم بالنسبة لمسربي الاسئلة، وحتى المبالغ تكون متغيرة حسب الوقت، فكلما كانت ابكر في تحصيل الاسئلة كان المبلغ اكبر، بسبب اللحاق بحل الاسئلة او نقلها بواسطة “البراشيم” والتي تكون عبارة عن قطع صغيرة من الورق، تكتب فيها الاجوبة حتى تسهل عملية الغش داخل قاعة الامتحان بدون الخوف من المراقبين والمشرفين داخل القاعة، بينما هناك من تكون حظوظه قليلة عندما يتم تحصيله للاسئلة المسربة قبل ساعتين من مباشرة الدخول الى القاعات الامتحانية، وهنا يصعب عليه حفظها او حتى نقلها عن طريق الغش، اما آلية تحصيل المبالغ مقابل بيع الاسئلة وحتى يضمن الطالب حقه عند بائع الاسئلة، فتكون الثقة والمصداقية هي الاولوية في هذا الامر وخصوصاً من قبل الطالب.

نيمار ابن الأنبار

حاولنا البحث عن صفحة نيمار الحقيقية، لكن وعن طريق بعض الطلبة، استطعنا التوصل الى قناته في تطبيق “التيلغرام” التي تحوي اكثر من ٢٠٠ الف مشترك، يراقبون وباستمرار، كل ما تنشره هذه القناة.

يدير القناة هذه، اكثر من سبعة اشخاص، يتناوبون على نشر “المرشحات والتي تكون اسئلة في الأصل” او الاسئلة في حال وصلت لهم، حسب قول احد المشرفين على الصفحة والذي رفض ذكر اسمه او اي شيء يتعلق به، حتى اي معلومة اخرى، وحين اردت معرفة السبب الذي يدفعهم لفعل ذلك اجابني:
-نريد افادة الطلبة المظلومين ولم يقل اكثر.

في حديث اخر، مع شخص رفض نشر اسمه، لذكره معلومات، يدعي انها “دقيقة و خطرة “، (و تنشر مجلة الشبكة المعلومات دون ان تتبناها)، قال: اسمه محمد، وهو تابع لمكتب الوزير، ويقوم بتسريب الاسئلة من مكتب الوزير ذاته.

في سياق آخر، تقوم صفحات ثانية، معنونة باسم “تسريبات الاسئلة ٢٠١٨” بابتزاز الطلبة وبشرط بيع الاسئلة على الخاص حصرا، وبعد ارسال بطاقة تعبئة رصيد بقيمة ١٠ آلاف دينار، نظرا “لظروف الطلبة السيئة” حسب قولهم في تلك المنشورات، كما تقوم هذه الصفحة بنشر محادثات لها مع الطلبة عن طريق الرسائل الخاصة، كنوع من الدليل على توفر الاسئلة وارسالها بعد تسلم الرصيد.

تجارة مغرية

تجارة بيع الاسئلة اغرت الكثير الى الانضمام لبازار بيع الاسئلة، وانضم نهازو الفرص لاستغلال الآخرين وخداعهم بوجود اسئلة لديهم. (علي الياسري)، احد الطلبة المخدوعين، اكد انه حاول الاتصال بهذه الصفحة وكانت النتيجة صادمة:

-لقد بعثت برسالة لهم، بعد ان تركوا تنبيها بعدم ارسال الاسئلة قبل تسليم بطاقات الأرصدة، فبعثت لهم بطاقتين، بعد ان اخبروني ان البطاقة الاولى غير صالحة، ثم وعدوني بارسال الأسئلة بعد منتصف الليل، وضرورة عدم ارسالها لأحد ما، انتظرت ، واذ حدث ان اصبح منتصف الليل، ففوجئت بوجود “حظر لي” من الصفحة، لا استطيع مراسلتهم او حتى التعليق لهم وتحذير الاخرين منهم !

فيما اخبرني والد علي، ندمه الشديد بتركه اشتراك الإنترنت مفتوحا خلال فترة الامتحانات:

-لقد افسدت هذه الصفحات طموحات ابنائنا بالنجاح، انها صفحات غايتها تخريب وتشتيت عقول اولادنا، لقد طلب مني علي بطاقات الرصيد ولم اعرف وقتها السبب، وحين علمت، دخلت من حسابي الشخصي لهذه الصفحة وقمت بتوبيخهم والنشر عنهم، لئلا يرضخ احد لهم، اريد لولدي ان ينجح معتمدا على ذاته، دون انتظار هذا الغش.

وزارة التربية : استهداف سياسي يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية (سرمد سلام لفتة) ـلمجلة “شبكة الإعلام العراقية”:

“هناك معايير دقيقة في اختيار اللجنة المختصة والتي تضع الاسئلة الوزارية وهم ممن يحملون الخبرة والكفاءة ولديهم باع طويل في اختصاصهم بالاضافة الى الأمانة والنزاهة والحرص على وطنهم.”

ونبه الى “ان عملية تسريب الاسئلة الوزارية حدثت في عدة دول منها المغرب والجزائر وتونس ولبنان والاردن ومصر. مشيرا الى أن الاسئلة الوزارية توضع في خزانة او قاصة فيها ثلاثة اقفال ولا تفتح الا من قبل اللجان الدائمة للامتحانات من قبل ثلاثة اشخاص وان القاصات مؤمنة ضد التفجير والاختراق.”

وتابع لفتة “ان هذا العمل هو نوع من انواع الاستهداف، المستهدف فيه العراق وخصوصا بعد الانتصار الكبير على عصابات داعش الاجرامية وتحرير اراضي العراق فكما أحرقت صناديق الاقتراع والغرض منها افشال العملية السياسية فموضوع تسريب الاسئلة الوزارية هي محاولة خلق فوضى في العملية التعليمية.”

ونبه إلى أنه اثناء نقل الصلاحيات من وزارة التربية الى الحكومة المحلية فبعض مدراء اقسام الامتحانات في المحافظات كانت الحكومة المحلية هي من تتدخل في تعيينهم وتوظيفهم والأجدر ان يكون الملف التربوي حصريا بوزارة التربية دون تدخل الحكومة المحلية وهذا ما اكد عليه رئيس الوزراء حيدر العبادي اضافة الى وزير التربية محمد اقبال الصيدلي.

القرصنة الإلكترونية

وفيما يتعلق بموضوع القرصنة الالكترونية، اشار لفته الى ان هذه المجموعة تستهدف وزارة التربية وتقوم بنشر اخبار كاذبة، وتم غلق العديد من هذه المواقع بالتعاون مع وزارة الداخلية والمخابرات الوطنية والاستخبارات الداخلية وزارة الدفاع . وأضاف “نحن نحتاج الى تظافر الجهود من قبل الكل من اجل انجاح العملية التعليمية من قبل الوزارات فهي مهمة وطنية، وموضوع تسريب الاسئلة مؤامرة كبيرة على العراق وعلى الشعب العراقي الغاية منها تدمير العراق، حقيقة نحن نتالم عندما نعلم ان بعض الاباء هم من يشجعون ابناءهم على الغش في الامتحانات بشراء بعض الأجهزة الدقيقة لهم من محلات بيع لهذه الاجهزة.”

وتابع لفته :”لقد تمكنا من الحد من ظاهرة الغش الالكتروني بنسبة 99% وذلك من خلال اختراع قدمة مدرس فيزياء، وهو جهاز يبلغ طوله تقريبا نصف المتر يمرر قريبا من اذن الطالب فاذا كان هناك غش يكبر الصوت ويظهر بشكل واضح.”مشيرا الى أن الكادر التدريسي تعرض الى عمليات اعتداء وصلت الى 288 اعتداء خلال الأربع سنوات الماضية. وتابع لفته : فيما يتعلق بنتائج التحقيق فإنها متقدمة والاعلان عنها سيتم قريبا ان شاء الله ولكنها لم تكتمل بعد وسوف يعلن عنها لاحقا.

فساد في الوزارة

من جانب آخر، اعترف عضو لجنة التربية البرلمانية (رياض غالي) بأن “العمل داخل الكونترول يجري خارج الضوابط وبشكل مزاجي ولا توجد سيطرة عليه بل يتم ضمن محسوبيات وتحزب، وعدم سيطرة من قبل رئيس اللجنة الدائمة للامتحانات بسبب الإجراءات المتحزبة والإملاءات ومصالح الفاسدين.”
وبين غالي أن “الأمر الآخر يتعلق بوجود مدارس في الخارج تابعة لفاسدين واحزاب ويتم انجاح الطلبة فيها بشكل عشوائي وبموافقات غير صحيحة وبمعدلات عالية.”

وأوضح غالي أنه “يجب إقالة وزير التربية والمسؤولين على الكونترول ووضع حد للعملية الامتحانية خصوصا والعملية التربوية عموما لأنها أهم من العملية الانتخابية ولكون العملية الامتحانية ترتبط بمستقبل البلد”، متسائلا “ماهو ذنب الطالب الذي يدرس باجتهاد في أن يضيع جهده بعد تسريب الأسئلة مقابل مبالغ مالية ونجاح آخرين بعد دفع سعر الاسئلة.”