الحلاق المتجول يعود الى بيروت
جبار عودة الخطاط – بيروت /
عرف اللبنانيون بروح الإصرار الممزوج بحب الحياة والطرافة في مواجهة التحديات المعيشية الصعبة من خلال اجتراحهم وابتكارهم السبل التي توفر لهم منافذ رزق في بيئة تكابد غلاء المعيشة والظروف الحياتية الصعبة.
الشاب البيروتي محمد جحجاح، ابن منطقة برج البراجنة الشعبية التابعة للضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، والذي تعلم حرفة الحلاقة، لم يقف مكتوف اليد إزاء صعوبة اتخاذ دكان يزاول من خلاله مهنته جراء ارتفاع بدلات الايجار رغم انه يعمل كعامل حلاقة ماهر في احد الصالونات ويلقى فيه معاملة طيبة من لدن صاحبه، فقرر منذ خمسة اشهر ان يطور مدخوله ويتخذ من دراجته الهوائية المتواضعة صالوناً متجولاً معتمراً قبعته وحاملاً خلفه صندوق عدة الحلاقة الخشبي المتواضع والذي قام بعمله بنفسه والذي يضم كل ما يحتاجه من أدوات ومستلزمات قص الشعر وتصفيفه.
فكرة الدراجة الصالون
استوحى فكرة استخدام دراجته كصالون حلاقة متجول من تجربة باعة الكعك اللبناني الذين يجوبون بدراجاتهم الأزقة والشوارع البيروتية وهم ينادون على بضاعتهم الساخنة والتي يتلقفها اللبنانيون في صباحاتهم الضاجة بالزحام .. وهكذا اجتذب محمد الذي احبه الناس وتفاعلوا مع مبادرته التي استحقت التشجيع والإشادة فهو الشاب العصامي ابن الـ 18 ربيعا الذي حرم من مواصلة دراسته بسبب الوضع الاقتصادي الصعب شأنه في ذلك شأن آلاف اللبنانيين التاركين مقاعد دراستهم لينخرطوا في معترك العمل .. محمد الذي استطاع بجرأته واصراره تحدي معوقات الحياة وان يحيي مهنة الحلاق المتجول التي عرفتها بيروت في ستينات القرن المنصرم والتي طالها الاندثار بفعل عوامل الحداثة التي اجتاحت كل مفاصل الحياة اللبنانية المنفتحة على كل ما هو جديد وعصري.
أيقونة البرج الشعبية
محمد أو “أبو طويلة” كما يحب ان يناديه أصحابه استقطب بذكائه وعصاميته الشباب والكبار في منطقة البرج وغيرها من مناطق الضاحية وصاروا يجلسون تحت مقصه الماهر في الطرقات وهم يرسمون ابتسامة عريضة على وجوههم ليقص لهم شعرهم بأنامله الحاذقة حتى عُد أبو طويلة اليوم ايقونة شعبية لمنطقته الشعبية التي تشتهر بكثافتها السكانية وسوقها الكبير الذي يمتد من منطقة عين السكة حتى مستشفى الرسول الأعظم في طريق المطار.
بادرناه بالسؤال:
-إيشلونك أبو طويلة؟
فأجاب حين سمع لهجتنا العراقية مبتسما:
أهلا أغاتي (قالها بلهجة مشوبة بلكنة لبنانية جميلة)!
سألناه عن فكرة الحلاق الجوال وكيف قدحت في ذهنه فقال انه فكر بأن يجوب الطرقات كحلاق متجول بعد أن وجد ان مسألة الحصول على دكان أو محل في الضاحية الجنوبية التي يقطنها امر صعب فتوكل على الله وجعل من دراجته الهوائية دكانه الأثير فوجدها الكثيرون فكرة رائعة وفيها من عبق التراث ما يحفزهم على تشجيع صاحبها فالناس هنا طيبون ويتعاملون بنبل مع الآخرين وبالتأكيد يجدون لذة في تشجيع أبناء منطقتهم بما يكفل لهم الرزق الكريم.
فكرة قديمة جديدة
ويضيف محمد: “نعم هي فكرة جميلة وقديمة وهذا ما اعجب الناس وشجعوني عليها ..أنا بطبعي أعشق كل الأشياء القديمة التي تذكرني بالإرث اللبناني ورائحته الفولكلورية المميزة وحتى لو سمحت الظروف بفتح صالون حلاقة سأحرص ان شاء الله على تأثيثه وفق النمط القديم.”
محمد هو مثال حي للشباب اللبناني المكافح العاشق للحياة والعمل الشريف والذي يتمتع بروح جميلة لا يمكن ان تحدها الصعاب والظروف القاهرة فهو كما يقول يبدأ يومه الماراثوني غير الممل عند التاسعة صباحا بالاستحمام والنزول الى المقهى الشعبي (الاكسبرس) لاحتساء فنجان القهوة الصباحية قبل أن ينطلق إلى عمله كعامل في احد الصالونات ليبدأ بعد ذلك طقسه الجميل بامتطاء صهوة دراجته والانطلاق في صالونه المتجول ليجوب الشوارع والطرقات ليمارس مهنته الممتعة.