الانتقام ليس حلاً!

1٬279

رجاء خضير /

لحظات الفرح تذهب سريعاً, اما الحزن والصعاب فلا نهاية لها. هذا ما تقوله أمهاتنا وباستمرار لنستفيد منه في حياتنا, نتجاهلها نحن بحجة بعد المسافات بيننا واختلاف الأزمان. والمتبصر بمتغيرات الأمور التي تحدث في مجتمعنا نقول إن حكمة أمهاتنا صحيحة.

أردد هذا القول مع نفسي وأنا اقرأ رسالة إحدى الفتيات التي ترغب في نشر ما حدث لها لتتعظ البقية من بنات جنسها.

قالت: حكايتي تحدث عشرات المرات يومياً، لاسيما في مجتمع الجامعات المنفتح، احببته بكل عنفوان شبابي لما يتمتع به من شباب وحيوية وايضا كان يبدو عليه الثراء وأنا لا أقل عنه في هذه الصفات بل أزيده في أنني البنت الوحيدة لأهلي, وكل ما يملكون هو ملكي أنا بمفردي.

صارحني بحبه لي بعد أن رأى تهافت الشباب عليّ خشى أن أرتبط بغيره, وهو لا يعرف عشقي وحبه له. فترة وجيزة وتقدم لأهلي يطلبني للزواج.

أنفرد والدي به, وطالت الجلسة وأنا وأمي ندعو ان يوافق والدي, حينما خرجا, كان القلق والحزن واضحا عليه, فعرفت أنه رفض من قبل والدي.

حاولت معرفة أسباب الرفض دون جدوى. في البداية وبعد ساعات عرفت رأي والدي فيه, بأنه انسان يدعي هذه الصفات التي يتحلى بها, وبأنه انسان غير محترم. ازددت تعلقا به, لأنه لم يتركني لحظه في الكلية عن طريق اتصالاته الهاتفية, رغم تحذيرات والدي لي بالابتعاد عنه. اتصلت بأصدقاء والدي الذين لهم تأثير عليه, واستعنت بألاقارب, الذين اكدوا له بأن سعادتي هي الأهم في هذه الدنيا، وبأنه قد يكون خاطئا في تحليله لشخصيته !

وافق والدي على مضض, وبسرعة البرق تم الزواج الذي كانت اغلب مستلزماته هديه من أهلي .

عشت بسعاده لا توصف معه, كنت احدث بها والدتي, التي تنصحني دوما ان أتأنى في خطواتي مع الحياة, خوفا من مفاجآتها, ولكن الحب يعمي ابصارنا عن اخطاء نتجاهلها عمداً.

بدأ حبه يتضاءل بعد اشهر من الزواح، والشمعة لكي تبقى مضيئة لابد من الاحتراق, تعقدت خيوط الاختلافات بيننا, هو يرغب بدعوة اصدقائه باستمرار في بيتنا, وتبقى سهرات الأنس والطرب الى ساعات متأخره من الليل, وانأ ارفض ذلك, خشيه من امور عدة, لاسيما ان كلفتها تقع عل عاتقي. لانه اتضح انه يعيش عالة على شقيقه المتزوج.

ضقت ذرعا بما يحدث في بيتي, طلبت منه صراحة ان يكف عن هذه الدعوات وان يلتفت لي ولبيته, انفجر ضاحكا مستهزئا بي ووصفني بأنني انسانة متخلفة لا اعيش في الواقع الذي خدعت فيه التغيرات اسرع من البرق .

صرخت … وهل هذه السهرات الماجنة هي تحضر وثقافه بنظرك؟

قطع النقاش لأنهم حضروا, وفي هذه المرة اصطحبوا معهم فتيات صغيرات, قدموهن لي بأنهن خطيباتهم. الكذب واضح في كل تصرفاتهم، سكت وأنا اتقطع ألما في داخلي, واهذي مع نفسي: استحق كل هذا فهو اختياري الخاطئ، ولكن لاينفع الندم. الآن مرت الايام سريعة, ولم يتغير هو, بالعكس ازداد سوءا وبدأ يضربني ويشتمني احيانا امامهم.

كنت اخشى مصارحه اهلي بما يحدث معي, ولكن فاض الكيل بي وحدثت والدتي بأدق التفاصيل وما اعانيه من حزن وألم، تحدثت معي طويلا ان اصبر لعل الله يجد لي معه فرجا …

وفي يوم دخل والدي علينا دون موعد وشاهد بأم عينيه كل شيء, لم يقل شيئا, بل هذيان عينيه حدثني طويلا, في اليوم التالي هاتفني والدي وطلب مني أن احدثه عن الانفصال وهذا ماكنت عازمة عليه.

صارحته برغبتي بالانفصال عنه وكل يذهب من حيث أتى, لم يبد عليه الحزن او المفاجأة وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة من وقت، قال ببرود, اذن لنتفق على بضعه شروط، وصرخت … اية شروط !

اجابني, الدنيا صفقات رابحة وخاسرة, وأنا أريد أن افوز بالصفقة الرابحه وهو طلاقي لك بشرط أن تتنازلي عن كل شيء, حقوقك عندي,اموالك وحليك الذهبية وشيك بالمبلغ (!) عندها فقط أحررك مني؟

وتهاويت على اقرب مقعد, وأنا لا اصدق ما أسمع, لتدخل والدتي التي اتت لتأخذني معها الي بيتنا، بيت اهلي, واعاد على مسامعها كل ما قاله لي !
دهشت مما سمعته وطلبت مني أن احزم حقائبي وكل مايخصني واذا به يلوح بمفاتيح غرفه النوم ويقول:

لا تستطيعين أخذ اي شيء قبل التنازل عن كل شيء وانا سأطلقك دون رجعة.

ناقشته أمي طويلا بالعقل مرة وبالحكمة مرة أخرى, دون جدوى، واشتد الخلاف بينهما. وامتدت يده ليضرب المرأة الوقور التي احترمته طوال فترة زواجنا, دفعته عنها وهو يصرخ: هذه صفقة عمري لا أريد خسارتها.

وبمشاعر الأنثى المجروحة, والزوجة التي غدر بها زوجها وبعناد اغبى امرأة, تناولت شمعدانا نحاسيا بقربي لأضربه على رأسه وهو يحاول أخذ سكين من فوق المنضدة, كنت اسرع منه، وبصراخ والدتي حضر الجيران وشاهدوا كل شيء، بعدها لا اعرف ما حل بي ….

نقلوني الى المستشفى لانهيار شديد أصابني، وعرفت أن اصابته خطيرة، ونحن الاثنان نرقد في مستشفى واحد.

شقيقه رفع دعوة ضدنا ووالدي رفع دعوة تفريق ضده، والى الآن لم تنته القضية بعد.

اذن هذا هو الانفتاح والتمدن الذي يسعى اليه شبابنا وهذا هو ثمنه.