معتقدات تؤمن بها شعوب وترفضها أخرى

2٬244

عدي العبادي /

الشؤم والنحس والفأل السيئ وسوء الطالع، كل هذه المسميات تندرج تحت خانة المعتقدات الشخصية التي يؤمن بها كل شخص حسب ثقافته ووعيه. ولا تختلف هذه المعتقدات من فرد الى فرد فقط بل حتى من شعب الى شعب فلكل حضارة ثقافتها ومفاهيمها، فهناك أمم تتشاءم من شيء تجده عند أمة ثانية يمثل فألاً حسناً.

سوء الطالع

امتاز تراثنا العربي بمعتقدات خاصة تمثلت بحالات عدة منها شهور السنة مثل شهر صفر الذي يعتبر شهر نحس، وأيام العجوز في الجاهلية، وبعض الطيورمثل البوم والغراب والعكعك والططوة وخطفة الأرنب اي مروره أمام المسافر وعواء الكلب الأسود، اما الغرب فسوء الطالع عندهم الرقم 13 حيث يرجع البعض مصدر التشاؤم من رقم 13 إلى السريان، فقد كانوا في بداية المسيحية يستعملون القوى العددية للأرقام، وبما أن يوم الأحد هو يوم راحة وعطلة لا يجوز العمل فيه بل يكرس للعبادة، فقد كان السريان يعتقدون أن من يعمل يوم الأحد سيصيبه الشؤم والحزن ولن يتوفق في عمله في يوم الأحد لأن غضب الله سوف يحل عليه، والقوة العددية ليوم الأحد هي 13، حيث أن الألف رقم واحد والحاء رقم 8 والدال رقم 4، وبذلك يكون مجموع القوى العددية ليوم الأحد هو 13. للوقوف اكثر على الموضوع وجهنا السؤال الى الدكتورة الباحثة (خديجة حسن) التي قالت:

توقعات سلبية

التشاوءم يعني توقعاً سلبياً للأحداث تجعل الفرد يتوقع حدوث الفشل وهو استعداد شخصي او سمة كامنة تؤدي الى التوقع السلبي للأحداث المستقبلية. يعتقد العلماء ان الأشخاص اليائسين ينظرون الى الأحداث غير السارة التي تواجههم على انها ١.دائمة الحدوث ٢. تشمل اغلب جوانب حياتهم ٣. هم أنفسهم السبب الأساس في هذا الفشل في حياة الفرد الا اذا تكونت لديه عقدة نفسية حيال موضوع ما من الموضوعات، فالتشاؤم قد يكون نتيجة ظروف قاسية ومعقدة عاشها الفرد في السابق، فالتشاؤم عادة يأتي من خبراتنا السابقة واتباع أساليب خاطئة في التربية كاللجوء للعقاب البدني او حتى استعمال أسلوب الحماية الزائدة، كلها تؤدي الى ظهور صفات سلبية في الشخصية كالتشاؤم مثلا. ويتخذ التشاؤم صيغة الخوف والفزع من جملة من الأشياء فبعض الناس يخافون من انواع معينة من الحيوانات او رؤية اشخاص او شخص معين نتيجة موقف سابق حصل وزرع في ذاكرة الشخص.

ويرتبط التشاؤم عادة بمتغيرات عديدة غير سوية وغير مرغوب فيها أهمها اليأس والقلق والإحباط والاكتئاب والوحدة والعداوة والتعاسة والأداء الوظيفي الضعيف وغيرها، وإذا ما استمرت مثل هذه المتغيرات المتلازمة فقد تؤدي بصاحبها الى الانتحار.

اما سماحة (الشيخ علي نجم الدليمي)، رجل دين، فقد أوضح مفهوم التشاؤم والنظرة السلبية وفق الرؤية الدينة حيث قال: ان التشاؤم لغة جاءت بمعنى الشؤم، اي الشر والنحس وهو خلاف كلمة اليمُن التي اوردتها المعاجم العربية، والتي جاءت بمعنى الخير و البركة.

منظار تشاؤمي

واوضح الشيخ الدليمي: ان فلسفة المتشائم ترتكز على رؤيته للواقع بمنظار سوداوي وحالة نفسية تنظر الى الأمور بصورة سيئة، حيث يعتقد الفرد المتشائم بأن الأمور تجري بصورة غير طبيعية و تسير بمنهج خاطئ. و مفهوم التشاؤم منبوذ في الفكر الديني عامة والاسلامي خاصة، حيث يعتبر التشاؤم من اهم معوقات تطور الانسان وتقدمه الحضاري والفكري والثقافي والاجتماعي، وللأسف الشديد حتى بعد مجيء الاسلام ونبذ هذه الظاهرة غير الصحية ما زال البعض يتشاءم من مكان معين او زمان محدد او شيء ما او كائن حي، على الرغم من أن هذه الظاهرة تضرب جذورها في أزمان الجاهلية الغابرة، حيث كان عرب الجاهلية يتفاءلون بنباح الكلب ويتشاءمون من الغراب، حتى قيل: “فلان أشأم من غراب البين.”

لذا جاء الاسلام مستنكراً لهذه الصفة وزجرها وواجهها بقوة، لأن الاسلام يؤمن بأن الحياة تسير وفق منطق السنن والقوانين لا منطق الجهل والخرافة، وهنالك الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تصرح بأن الأقوام السالفة كانت تتشاءم من الأنبياء والرسل لجهل هذه الأقوام برسالة السماء المباركة حيث يقول الله عز و جل:

(فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيّروا بموسى ومن معه).

“الأعراف: 131” و التطير هنا بمعنى التشاؤم.

وايضا تشاؤم قوم صالح بصالح “ع” حيث قالوا: (اطيّرنا بك وبمن معك) “النمل: 47”
أي تشاءمنا بك وبمن معك.

وجاء الرد لهؤلاء المتشائمين بأن التشاؤم ليس من عند الله عز وجل بل من انفسكم الجاهلة التي تتعلق بالخرافات والاساطير التي لا تحكّم العقل والمنطق ولغة العلم والدليل في سلوكها ومنهجها. لذا يجب علينا نبذ هذه الصفة والتوكل على الله جلّ جلاله ورفض هذه الفكرة الجاهلية المحبطة للتقدم والتطور الحضاري للجنس البشري.