كتاب الخيال: البحث في خيال المخرج (مايك لي)

1٬050
مقداد عبد الرضا /
المخرج البريطاني مايك لي يعد الأكثر إثارة للجدل والخلاف على مستوى النقّاد وخلال المهرجانات, فالذين يتفقون معه تجدهم يتحدثون بإسهاب عن لغته الآسرة وهي تلقي الضوء على روح “جارلس دكنز” الصارمة والرصينة والمفعمة بروح الرومناسية الطريّة والتي استطاع العصر أن يدمّرها ويطوح بها بعيداً.
     في المقابل هناك من يتهمه بأن له روحاً عصيّة ومرتبكة وهو يحاول بطريقة شائكة أن يفسر مجريات أحداث أفلامه. لقد وقف في مهرجان فينيسيا بعد أن منح جائزة الدب الذهبي عن فيلمه “عري” والذي رفضه مهرجان كان: أحب أن أتوجه بالشكر العميق للمشرفين على مهرجان كان السينمائي لرفضهم هذا الفلم ..
ولد المخرج مايك لي في بريطانيا, مقاطعة ساليفورد في العشرين من شباط للعام 1943, أبوه طبيب من أصل روسي وأمه قابلة.
“حينما كنت طفلاً في العقد الخامس من القرن المنصرم, اعتاد أهلي أن يرسلوني لأعيش مع جدي لأمي. ذات شتاء مات جدي, كان الثلج سميكاً, بعض الأشخاص يجهدون في الطابق السفلي في التعامل مع الكفن, كان لأحدهم أنف طويل وعلى نحو مميز وعلى حافته قطرات, أتذكر أنني وقفت في ذلك المكان أفكر, أن هذه مادة لفلم عظيم.”
مجلة (الصوت والصورة) تضع إشارة لإنجاز لي “منذ وقت طويل كنت دائماً أنتقد أفلام لي بحجة أنه ليس سينمائياً بدرجة كافية, لكنه وبعد فلمه (عري) 1993, أصبح واحداً من أكثر السينمائيين إثارة للجدل ولديه رؤية سينمائية خاصة به, إنه هام ويشكل علامة مهمة في السينما البريطانية.”
– يبدو أن أحد مفاتيح صنع أفلامك هو قدرتك على إبقاء التقمص العاطفي مستمراً, بغضّ النظر عن مدى الإحباط الذي تسببه الشخصيات وصعوبة الإعجاب بها.
– لا أفكر بالموضوع على هذا النحو, مايحفزني هو وضع جميع الخيارات للوصول الى لحظة التوتر الشديدة على الشاشة, قطعاً هذا هو الذي يثير التشويق، ويمكن أن يكون ذلك لمجموعة كاملة متنوعة من الأسباب, وأحد أجزاء الفلسفة الجوهرية لأفلامي, هو أن كل شخص يثير التشويق وأن كل شخصية، كما هو الحال في الواقع, ثلاثية الأبعاد ومكتملة الجوانب وتتحرك في فلكها, لذلك وعلى الرغم مما قاله بعض السخفاء, لاتوجد أية شخصية نمطية او شيفرات, إنني أريد من كل الشخصيات أن تكون واضحة, على أساس هذا المبدأ, فإن كون إحدى الشخصيات مزعجة ويصعب التعاطف معها لن يكون مشكلة أبداً, إلا إذا أخفقت في إنجاحها او جعلها غير ثلاثية الأبعاد..
على الرغم من أن المخرج مايك لي لايتطرق في أفلامه الى السياسة كمواطنه كين لوتش, لكنه بنظرة ثاقبة يستطيع أن يرصد زمناً برمته من القلق النفسي والوجودي, “لاتبتعد في بحثك أكثر من ذلك”, إنه يعالج تلك المشاكل التي تسببها القياسات الخاطئة للسياسيين, مواضيع الشباب في الجامعة, الإنجاب وعدمه, انتهاء علاقات طيبة بسبب الربكة الاقتصادية والجزع اليومي, فك وفضح الأسرار العائلية بطريقة فذة وذكية, “أعرف أنني أعود الى الأشياء نفسها التي تشغلني عودة لا نهاية لها, أنا لا أعي ذلك دائما في البداية.”
  ينقسم الكتاب الى عدة أقسام أغلبها يتحدث عن أفلامه وكيفية الوصول الى إنجازها, مجموعة لقاءات حققتها إيمي رافائيل مع مايك لي. في المقدمة تضع جملة هملت شيكسبير “رغم أن هذا جنون, لكنه لايخلو من منهج.” يعيش لي كما يطرح في الكتاب حالة من التوتر المستديم منذ طفولته مع أبيه, يعيش مراهقة صعبة وتعيسة, وهذا ما دفع به الى الغضب والعنف وشدة السوء, حتى أن أباه ولشدّة التوتر الحاصل بينهما أرسله الى طبيب نفسي ليعالجه, لكن هذه التجربة أحبطت نوايا الأب وأفشلته لأن الطبيب أرسل تقريره ليقول أن الولد معافى ولايعاني من شيء, يتحدث الكتاب كذلك عن علاقة لي مع ممثليه أيضاً وكذلك الموسيقى في أفلامه, “كنا في الطائرة أنا وماريان نتجه الى الولايات المتحدة, نقوم بجولة ترويجية لفيلم (أسرار وأكاذيب), وذكرت كم تود ان تؤلف موسيقى للأفلام , لذلك أتيت بها لتقوم بذلك الفيلم, الموسيقى هنا مختلفة تماما عن موسيقى أفلامي الأخرى, لقد بدا لي هذا مناسباً جداً, أنا أحب الموسيقى وخاصة موسيقى الجاز وهذا النوع يناسب الفيلم تماما.”
كتاب المخرج مايك لي جدير بالقراءة والمتابعة, يقع في 576 صفحة من الحجم الكبير, أصدرته وزارة الثقافة السورية, (سلسلة الفن السابع).
– لقد طلب من ممثليه أشياء استثنائية فارضاً عليهم أداءً ارتجالياً قبل البدء بالنص والتصوير, مظهراً لهم جوانب الشخصيات الحيّة الأخرى ليضعوها أساساً في عملهم , إن العمل مع لي شنيع ومرعب ومبهج أيضاً ,إنه العمل الأفضل في حياتي, إنه أشبه بالسقوط من طائرة دون مظلّة أثناء البروفة, هذا ما أكدته الممثلة ستاونتن أثناء حديثها عن المخرج وعملها في فيلمه “عري” 1993 .