ذوو الاحتياجات الخاصة.. لا دوائر تستقبلهم ولا مدارس

1٬069

آية منصور /

لا تستقبلهم المدارس إلا ما ندر،لا يتعامل معهم الآخرون بصورة طبيعية، هنالك حاجز كبير صنعه المجتمع نحوهم، وحتى إن أكملوا دراستهم، فليس هنالك من يوظفهم، بمواصفات مثالية وخيالية للمظهر، تبتعد الدوائر والشركات عن التفكير بذوي الاحتياجات الخاصة، وتعيينهم.

يذكر أن عديد ذوي الاحتياجات في العراق تجاوز الثلاثة ملايين منذ بدء الحرب مع إيران حتى يومنا هذا، وفقاً لاحصائيات منظمات دولية ومحلية معنية بهم.
حقوقنا وقت الانتخابات

يقول سعد الساعدي إن الإهمال الذي يطول هذه الشريحة يكون على مدار السنوات، ليتقلص ويتضاءل مع قرب الانتخابات حيث تنهال الاتصالات عليهم من كل حدب وصوب بعد ان تبدأ البرامج الانتخابية: وعود وصور وتسلم للشهادات والكفاءات، ثم تعود لتختفي بعد التصويت، فلا نعرف أحداً ولا يعرفنا احد.
يؤكد الساعدي قوله إن الحكومة لم تكلف نفسها عناء بناء أرصفة مخصصة لهم، أو أماكن إضافية، مثل السلالم ، فكيف ستتمكن من توظيفهم؟
فمازال المقعد على كرسي متحرك يضطر الى طلب المساعدة لرفع كرسيه الى الضفة الأخرى من الرصيف، وهنالك أمور كثيرة تغفل عنها وكأننا غير موجودين.

نشعر بالظلم

محمد عباس (٣٣عاماً)، أصيب بكسر في ظهره بعد سقوطه من السلم بعمر الحادية عشرة، ما تسبب بشلل الجزء السفلي تماماً من جسده، حيث بدأت المعاناة:

-اضطررت لتأخير وتأجيل دراستي لأكثر من ثلاث سنوات بسبب العمليات وفترة العلاج، وحينما عدت، لم أتخيل المعاملة من المعلمين، كانوا مجحفين حقاً وبطرق غير مباشرة يتمنون تغيبي لفصلي، لكني استطعت وخلال الكرسي المتحرك، ان اكمل دراستي.

درس محمد الهندسة الميكانيكية وكان من المتميزين على دفعته، وتخرج بمعدل جيد، لكن الصدمة، أن لا أحد يقبل توظيفه، بسبب حالته.

-في مقابلة للعمل انتهت منذ اللحظات الاولى، سألني مدير إحدى شركات الحديد: معوق وترغب بالعمل؟ ثم رفضني مباشرة. في كل مرة كنت أتعرض للإهانات بطريقة واضحة، وأعود للتقديم على العمل وأفشل، وأنا اليوم أتخطى الثلاثين ولا عمل لي، ولا ذنب لي سوى أنني وقعت يوماً ما، من السلم!
إعاقة العقل لا الجسد

فيما ترى انتصار الساعدي (٣٩عاماً)، أن الجانب المجتمعي يلعب دوراً كبيراً في مسألة انخراط ذوي الاحتياجات الخاصة في الجانب المهني عن عدمه، لكن المجتمع يرى انهم ناقصون ولا يستطيعون فعل شيء، إذ أن الناس يروننا عالة عليهم ويشعرون بالشفقة على أهالينا لتحملهم إيانا، كيف ننتظر منهم أن يطلبوا مؤهلاتنا او شهاداتنا للعمل؟ لعلهم يخشون أن نحتاج مساعدتهم يوماً!

تقول ذلك وتضحك، انتصار التي ولدت بشلل دماغي، منع ايعازاته من الوصول الى قدمها، ورغم العمليات، إلا أن قدمها كانت تتراجع يوماً بعد يوم:
“اكملت الدراسة في معهد إعداد المعلمات، لكني بالطبع لن استطيع أن أكون معلمة على كرسي، وزارة التربية لن تقوم بهذا الإنجاز وتسلمني حقي بالعمل.”

تعمل انتصار اليوم مسؤولة في احدى بيجات التسوق عن طريق الإنترنيت بعد أن فشلت جميع محاولاتها للعمل بالسلك التربوي او غيره.

“لم اترك باباً لم أطرقه، مدارس أهلية، التعيين الحكومي، حتى العمل مجاناً، غالباً ما تكون النظرات نحو كرسي المتحرك، قبل النظر الى شهادتي او معدلي، فأدرك وقتها رفضهم.” تستطيع انتصار اليوم، الشعور ببعض الانتصار بعد أن تمكنت من كسب عدد من العملاء لصفحتها الافتراضية: “الرزق على الله، وحين تغلق النوافذ بوجهنا، يبقى باب الله الذي لن يغلق أبداً.”

قدمي لا تتحرك، ورأسي؟

فيما يشعر ايهاب محمد (٤٤عاماً)، وهو كاسب، بالاستغراب من نظرة المجتمع لهم ومن كيفية معاملتهم وشعورهم الدائم بثقل ذي الاحتياج وكأنه يجلس على كتفه، كما يقول محمد، ليسرد لي حادثة مليئة بالكوميديا السوداء: “مرة اردت الخروج والجلوس أمام المنزل، انها عادة عراقية طبيعية، لاستنشاق الهواء، فاذا برجل يتقدم نحوي ويقدم الأموال لي، ظاناً أني متسول، في الحقيقة لم أغضب من الرجل لكني استغربت نظرة الشفقة هذه علينا.”
يعمل محمد بائعاً للخضراوات، لم يجرب العمل في الدوائر لأنه، وكما يرى، “سيتعرض للإذلال.”

“لم أكمل دراستي بسبب عوق قدمي، تمنيت أن أبترها وأضع محلها ساقاً صناعية حديدية لكن الأمر ميؤوس منه، عالم الخضراوات والفواكه كان أكثر استقبالاً لي من الدوائر.”