أطفال الشوارع.. صيدٌ سهلٌ لعصابات الاتجار بالبشر

979

ريا عاصي /

أطفال الشوارع، ظاهرة باتت تشكل علامة مشتركة في أغلب محافظات العراق وتتنامى بشكل مخيف وسريع…من هم أطفال الشوارع اليوم؟ ومن هم مستقبلاً؟ ماهي مشكلاتهم؟ من المسؤول؟ ما الحلول؟

طفل يبيع بالونات شفافة، مراهق يحمل زهوراً طبيعية للبيع، صبيان يتسابقون لغسل زجاج سيارتك وآخرون يبيعون الماء البارد وعلب المناديل الورقية بالرغم من أنهم يمسحون أنوفهم بكمّ بلوزاتهم وآخرون بعلب العلكة ..هذا ما ستشاهده عند وقوفك عند أي تقاطع في بغداد أو غيرها من المدن العراقية ..بل أصبح علامه مشتركة في كل المحافظات باختلاف فقرة أو فقرتين من المبيعات، وعند كل موسم وفصل ومناسبة ستفرق البضاعة، وهم ما نسميهم بأطفال الشوارع.

تصنيفات

صنّف القانون العراقي أطفال الشوارع، وفق قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 ثم تعديلاته في المادتين 24 و25، بالتسول أو ممارسة المهن المتجولة دون سن 15 سنة أو أعمال الدعارة وشرب الخمر وتناول المخدرات أو المروق عن سلطة الوالدين، فيما تقسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أطفال الشوارع إلى ثلاث فئات وهم: المقيمون في الشارع بشكل دائم أو شبه دائم، وعلاقاتهم بأسرهم الأصلية إما منقطعة أو ضعيفة جداً، والعاملون في الشارع، وهم الذين يقضون ساعات طويلة يوميا في الشارع في أعمال مختلفة غالبا تندرج تحت البيع المتجول والتسول ويعودون لقضاء الليل مع أسرهم غالبا وقد يقضون ليلهم في الشارع، وأسر الشوارع، وهم الأطفال الذين يعيشون مع عوائلهم الأصلية في الشارع.

أما منظمة الصحة العالمية فتصنف أطفال الشوارع إلى أربعة أقسام هم: الأطفال الذين يعيشون في الشوارع، والأطفال الذين تركوا أهلهم وسكنوا في الشوارع أو الفنادق أو دور الإيواء أو الأماكن المهجورة، وأطفال الملاجئ أو دور الأيتام المعرضون لخطر أن يصبحوا بلا مأوى، والأطفال الذين تكون علاقاتهم بأسرهم ضعيفة أو واهية وتضطرهم الظروف إلى قضاء الليل خارج المنزل.

أطفال الشوارع ضحايا لظروف قاهرة خارجة عن إرادتهم وتتعدى حدود قدرتهم لمواجهتها، ان ظروف حياة الشارع التي يواجهها الضحايا تمثل خرقاً صارخاً لنصوص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عام ١٩٨٩.

هذه الفئة لا يمكن تعدادها وحسابها حتى برقم تقريبي او اعتباطي كونهم دون عنوان او هوية يمكن من خلالها احصاؤهم وعدّهم.
غياب القانون وعدم وجود حلول جذرية ودور أيتام عديدة توازي الرقم الموجود حالياً يزيد من انتشارهم في شوارع العراق.

طفل الشارع

يوجد التزام أخلاقي لا يبيح لي استجواب الأطفال في الشارع بدون اخذ موافقة ذويهم، لكني فعلاً من شدة ألمي لمنظرهم وتواجدهم لساعات متأخرة من الليل وبعد سؤالي العديد منهم ممن يبدو عمره دون التاسعة ذكوراً وإناثاً عند تقاطع المسبح، باب المعظم، السنك، العلاوي، ساحة النسور، الإسكان، تبين لي أن أغلبهم ليسوا برفقة ذويهم وأغلبهم يروي رواية مشابهة: يتيم وعليه جمع مبلغ لإعانة أهله، أبوه معوق ووالدته بائعة متجولة، وقسم كبير منهم يدعي أنه طفل نازح إما من الأنبار او الموصل او سوريا، علماً أن لهجاتهم لا تدل على ذلك، وانهم قدموا مع أخيهم الكبير، وأخوهم بائع متجول كذلك.

لا يذهبون للمدارس، لكنهم يتمنون ذلك، يوجد الكثير منهم يبيعون لعب أطفال وهم أحق باللعب بها.

رسل، محامية عراقية شابة، تعمل لدى احدى المنظمات الدولية والتي تلزم هذه الشابة بعدم الإفصاح عن الأعداد او نشر أية دعوة تقوم هي فيها لكنها سمحت لي بنشر ما ستقوله هنا:

مستقبل أطفال الشوارع

تقول الدكتورة عبير مهدي الجلبي، مديرة مكتب رئيس هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية :مازال الكثير من افراد المجتمع يجهلون أسباب ظاهرة أطفال الشوارع ولا يتعاملون معها بجدية ويجهلون مخاطر الشارع على هذه الطفولة، كما ان الجهود الحكومية والشعبية المبذولة من اجل تصحيح مسار الطفولة المشردة مازالت شحيحة وغير مدروسة دراسة كافية، وهي ضئيلة مادياً وحجماً مقارنة مع الأعداد المتزايدة والرهيبة المتسربة في الشوارع.

وتضيف: يجب رفع وعي الشارع بعدم تشجيع أطفال الشوارع على الاستجداء اذ انك تساهم مساهمة مباشرة بإعطائه الأموال بيده مهما كانت قليلة، فبالتالي هناك عصابات تشكلت لتستغل الطفولة بتشغيلهم في الطرق مقابل ان تأخذ أموالهم وتعطيهم سكناً ومأكلاً، أضف لذلك استخدامهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر والدعارة ونشر المخدرات، هذه المشاكل تتفاقم يوماً بعد آخر باستسهالهم جني الأموال عن طريق استدرار عطف المواطن.

وزارة العمل تعمل جاهدة، بإمكانيات محدودة، من اجل رفع المستوى المعيشي لحياة الفقراء والعاطلين عن العمل عن طريق عمل دورات تأهيليه تمكن العاطل عن العمل من إيجاد مصدر عيش كريم، المشكلة ان الإمكانيات قليلة ويوجد كسل كبير من قبل المواطن في تخطي الصعاب والبحث الجدي عن عمل.

يذكر انه توجد تجربة عراقية إنسانية يشار لها بالنجاح دوماً حين ذكر الأيتام او المشردين وهي تجربة البيت الآمن. يقول السيد هشام الذهبي في حديث أجرته الشبكة معه: يوجد في البيت الآمن ٥٥ طفلاً بين يتيم ومشرد، نصف هذا العدد من المشردين وقسم كبير منهم جاء بمحض ارادته وقسم آخر استقبله البيت الآمن بعد مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي او بالبحث الدوري الذي نقوم به أنا ومن أبناء هذا البيت الراشدين، كما أننا نستقبل يومياً العديد من المشردين الذين يأتون للحصول على ملبس نظيف او طعام او سقف آمن، إلا أن البعض منهم للأسف يعود للشارع، خاصة المراهقين، بعد ان اعتادوا عادات سيئة واصبحوا لا يحبون الالتزام بقواعد البيت الآمن التي تقتضي الصحة والسلامة، حيث ينام الأطفال مبكراً ويستيقظون باكراً ويهتمون بنظافة أجسامهم ومنزلهم ويتابعون يومياتهم من دراسة وواجبات منزلية ، كما يزورنا عدد من المشردين من بقية المحافظات.

يضيف الذهبي: الدولة تساندني في القول كثيراً لكن دعمها الحقيقي يأتي بطيئاً، لكنني أحمد الله أن أحلامي الكبرى يوماً ما ستتحقق بحفظ حقوق الطفل العراقي عامة واليتيم والمشرد خاصة.

ادعو الجميع للمثابرة والصبر وفتح دور آمنه لأطفال الشوارع لأننا بذلك سنضمن المستقبل لأبنائنا لأن المجتمع المعافى نفسياً لا يرمي أبناءه او أفراد عائلته في الشارع.

السيدة آمال إبراهيم، مديرة مشروع المتنبي الصغير، تقوم طوعياً بتدريب أطفال الشوارع على الرسم والموسيقى وباقي الفنون بالإضافة الى أنها تقوم بدورات تعليمية مثل تدريس الإنكليزية والعربية والرياضيات وعلوم الحاسوب. وتقول انها تستقبل العديد من أطفال الشوارع من الباعة المتجولين وهم يأتون بحب الفضول وقسم منهم هروباً من الحر وقسم آخر لولعه بالفن وبعضهم لحبهم في التعلم ولست وحدي في المشروع فهناك معي متطوعون من الشباب والشابات يأتون أسبوعيا لتقديم المساعدة.