لماذا تغار نساء العالم من الإسكندنافيات؟
بقلم: لون بارامور – ترجمة: سامي كلاوي /
الآيسلنديون من بين أكثر شعوب الأرض سعادة وصحة. ويتفوقون على باقي الشعوب في عدد الكتب التي ينشرونها سنوياً قياساً إلى عدد نفوسهم، وكذلك في عدد ما يملكون من فنانين. وبلدهم، آيسلندا، هو أكثر بلدان العالم أمناً وسلاماً، حتى أن شرطته لا تحمل سلاحاً. وهو أول بلد في العالم قادته امرأة. وحسب تقرير «التفاوت الجنسي العالمي» لعام 2013
جاءت المرأة الآيسلندية في المرتبة الأولى عالمياً في مجالات التعليم والرعاية الصحية والمشاركة في الحياتين السياسية والاقتصادية، وبذلك تفوّقت حتى على شقيقاتها في البلدان الاسكندنافية الأخرى (السويد والنرويج والدنمارك). وجاءت الأميركيات في مرتبة كئيبة تحمل الرقم الثالث والعشرين، وهي مرتبة أدنى من السابق، وعزاؤنا فيها أن نساءنا في حال أفضل من النساء اليمنيّات اللواتي جئن في المرتبة السادسة والثلاثين بعد المائة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف استطاعت هذه البلدان التي أسستها قبائل «الفايكنغ» أن تتزعم معارك المساواة بين الجنسين رغم تاريخ حافل بقمع المرأة بلغ حتى حدّ منعها من قص شعرها، وأوجب عليها الصمت في اللقاءات التي تجمعها بالرجل؟
لقد وجد الباحثون أنه كلما ازدادت نسبة المتعلمين في المجتمع ازداد مستوى المساواة بين الجنسين فيه والعكس بالعكس. وقد تشذ الولايات المتحدة التي تتمتع بنسبة عالية من المتعلمين عن تلك القاعدة، مما يجعلنا نبحث عن أسباب أخرى للمساواة في إسكندنافيا، ولعلنا نجد ضالتنا في العامل الديني.
إن اللوثريين الإسكندنافيين الذين أداروا ظهرهم للكنيسة الكاثوليكية اهتموا كثيراً بالمساواة في المجتمع، وخصوصاً بين الأغنياء والفقراء. ويعتقد اللوثريون أن جميع الأفراد متساوون في بعض الحقوق الفطرية التي يجب أن لا تُستغل من قبل الأقوياء، وهذا ما حملهم على المطالبة بحقوق المرأة. وتضم الكنائس اللوثرية في الدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج وآيسلندا قساوسة من الأناث منذ منتصف القرن العشرين، واليوم تضم الكنيسة اللوثرية السويدية امرأة بمرتبة مطران.
وربما يعود سبب المساواة في المجتمعات الإسكندنافية إلى ضعف دور الدين فيها. فالإسكندنافيون بطبيعتهم ليسوا من رواد الكنائس، وينظرون إلى الأخلاق من زاوية علمانية لا تولي اهتماما كبيراً للأمور الجنسية ولا لسلوك المرأة ونشاطاتها. وتفصل العلمانية الإسكندنافية بين ممارسة الجنس والخطيئة، وهذا ما يصب في صالح الإناث. وهناك يتعلم البنات والأولاد في المدارس الثقافة الجنسية وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، إضافة إلى أساليب منع الحمل والوقاية من الأمراض الجنسية.
إقتصاديات البلدان الاسكندنافية اتخذت مناحٍ للتطور تختلف عن تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة. فقد هجرت تلك الدول السياسات الإمبريالية المتمثلة بالمغامرات العسكرية خارج الحدود منذ الحروب النابليونية، ولم تعد تهتم بغير الدفاع عن نفسها. وتُعد آيسلندا، على سبيل المثال، أقل بلدان العالم إنفاقاً على السلاح. وتتبع البلدان الإسكندنافية نموذج الاقتصاد الاشتراكي الديمقراطي، حيث تتوزع الثروات بشكل متساوٍ تقريباً، ويتّسع القطاع العام ليوفر المزيد من فرص العمل للنساء، ويُتاح التعليم الجامعي المجاني للجميع، ويسمح نظام المساعدات الاجتماعية للنساء بالعمل وتربية الأطفال في آن واحد. ولا تعاني الاسكندنافيات بسبب الموازنة بين العائلة والعمل حيث أن بإمكان الأزواج الحصول على إجازة مدفوعة الراتب لمدة سنة من أجل رعاية الأطفال، ولا يتذمّر الرجال من عمل كهذا بل يسعدون به.
لقد اكتشف الإسكندنافيون أن الجميع سيكونون في حال أفضل حينما يتقاسم الرجال والنساء السلطة والتأثير. وأدركوا أن مساواة المرأة بالرجل تؤدّي إلى تطور العلاقات الاجتماعية وتطور الاقتصاد في نفس الوقت. وعليه فليس من الغرابة أن تتصدر تلك البلدان قائمة اقتصاديات العالم القوية، إضافة إلى قائمة الاختراعات العلمية. فالسويد، مثلاً، تتقدم على أميركا في الاختراعات، وهذا يدحض الاعتقاد بأن عدم المساواة بين الرجل والمرأة يزيد من الاختراعات.
جميلة هي الأخبار التي تشير إلى تحسن أوضاع المرأة في أغلب دول العالم، ولكن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي يكشف أن أوضاع النساء في 20% من دول العالم ما تزال دون تحسن أو تزداد سوءاً. فنحن في الولايات المتحدة استطعنا أن نساوي بين الرجال والنساء في قطاع التعليم، وأن نوفّر فرص عمل للنساء. إلا أنه وفقاً لتقرير المنتدى ما تزال المرأة الأميركية متخلفة عن الرجل في ميادين الرعاية الصحية وتسنّم المناصب السياسية، وما يزال «حزب الشاي» لا يعي خصوصيات الجسد الانثوي. وبدلاً من أن ندفع المزيد من النساء نحو المشاركة السياسية، وجّهنا طعنة لهن من خلال قانون الهوية الانتخابية الجديد في تكساس الذي حرم ثلث نساء الولاية من حق التصويت. وبهذا لن تكون أميركا رائدة في مجال مساواة المرأة بالرجل.
ربما سنتبع في يوم ما تجربة آيسلندا، ولكننا اليوم نبتعد عنها باتجاه اليمن. فهل هذا هو حقاً ما نريد؟
Rueters