في بغداد.. أعجب فرقة موسيقية!
في بغداد أغرب جوق موسيقى في الشرق الأوسط.. ان لم نقل في الشرق كله؟
والجوق يتألف من ثلاثة عازفين وثلاثة آلات طرب فقط..
واحدة اسمها السنطور، وهي تراث روماني سحيق لا نعلم كيف استقر به المقام في العراق؟ والثانية يسمونها “الجوزة” وهي من بقايا الحضارة الفارسية الدارسة في بلاد الرافدين..
اما الثالثة.. فهي انتاج محلي محض.. يدعونها “الدنبك” أو “الدمبركة” أو الطبلة..
ومجموع هذه الفرقة العجيبة التي ليس لها مثيل يسمونه في العراق “جالغي بغدادي”.. وكلمة جالغي تركية تعني جوقة أو فرقة..
وعلى الرغم من ان هذه الجوقة تتألف من هذه الالات العجيبة النادرة، فان الذي يستمع اليها يتصور انه يصغي الى مجموعة ضخمة من العازفين يضربون على اكثر من ثلاث آلات اثرية.
ويقول الحاج هاشم الرجب عازف السنطور والمدرس بمعهد الفنون الجميلة ببغداد.. ان السنطور في العراق يتألف من ثلاثة وعشرين وتراً، والوتر الواحد يتألف من أربعة اوتار برنزية، وهو يقابل القانون في الموسيقى الحديثة..اما “الجوزة” فيقول عنها السيد شعيب ابراهيم بانها في الأصل هندية ولكنها دخلت الى العراق في اطار الحضارة الفارسية، وهي تشبه الى حد ما الربابة البدوية غير ان الجوزة تتكون من اربعة أوتار ترن في “طاسة” من البرنز المغلف بجلد الغنم.
وليست الغرابة من نصيب هذه الالات فقط، بل هي تتجلى ايضا في المطربين الذين لا يطيب لهم سحب “يا ليل” و”جانم” و”امان” الا على اصواتها الفريدة..
فالمطرب الشعبي عباس بطاوي لا يزال يغني على انغامها في المقاهي البلدية برغم انه تجاوز الستين وبرغم انه يعمل في النهار في تشييد الدور..
أما المطرب جميل الاعظمي فهو لا يزال في شرخ الشباب..
وكما انه لا يزال يعمل في نسج الأقمشة على الطريقة القديمة فانه يغني في اذاعة بغداد الأدوار البغدادية القديمة التي هي مزيج من المقامات العراقية والفارسية والتركية بنفس الطريقة التي كان يغني بها مطربو أيام زمان وأيام الاحتلال التركي..
وبينما الناس ينقسمون الى فريقين أو ثلاثة يقف كل منهم وراء مطرب معروف..
تنزوي هذه الفرقة الصغيرة العجيبة لتعمل في صمت كسير وتكافح في محاولة يائسة اخيرة لتوقف عجلة التطور الفني..
وغدا.. من يدري؟..
قد تصبح شيئاً من التاريخ..؟