سورين كرا ياكوبسن

1٬021

مقداد عبد الرضا /

كل انسان في العالم يجيد لعبة او حرفة في محاولة للوصول الى غاية ما,البحث في المعنى,هذه الكلمات من فيلم ,طرزان مطاطي, والتي هي شعار لمجمل اعمال ياكوبسن,انه يروي بشكل اخاذ قصصا حول اولئك الذين يبدون في اول الامر انهم جاءوا الى العالم يحملون معهم خساراتهم,لكن سرعان ماتكتشف ان لديهم قوى خفية تظهرفجأة وفي وقت الازمات والمحنة لتؤكد انتصارهم,انها لعبة المراوغة والوقت فقط.

الشخصيات الأساسية بدءاً من فيلمه الاول “اريد ان ارى سرتي الجميلة” الى آخر افلامه “ساعة الطائر”, تحاول دائما ان تؤكد حضورها في الحياة بشكل فاعل, نكتشف خصائصها الخفية من خلال الحب والصداقات.. تتحول من شخصيات تعيش في الظل منسحبة خائفة الى شخصيات تحقق نضجها وفعاليتها بل وتجد لها مكانا مرموقا في الدائرة التي تشترك فيها, في مهرجان افلام برلين لعام 1999 لم يمنح فيلم “مفيوني” جائزة الدب الفضي فقط, وأنما حصل على موزعين يتقاتلون للحصول على ضمان حقوق شرائه وتوزيعه لكل انحاء العالم, لقد اتبع ياكوبسن تعاليم الدوغما, هذا الاسلوب الذي رشحه لان يقتحم العالم, ولد سورين كراياكوبسن في كوبنهاكن سنة1947ونشأ في عائلة متينة من الطبقة الوسطى, بعد اكمال دراسته حصل على عدد من الاعمال البسيطة والمهمة في حياته, لقد علمتني هذه التجارب الشيء الكثير من ضمنها حب التعاون الجماعي والتي هي احد اسباب ظهور فيلم “طرزان مطاطي” وكان طموحه منذ البداية ان يكون مخرجا للافلام الوثائقية, من عام 1969_1970 درس في مدرسة (اف.اى.ام.يو) للافلام في براغ والتي يعتبرها اهم محطة في حياته.
بعد ذلك تم منحه فرصة عمل مذيعا ومقدما للبرامج في الراديو والتلفزيون الدنماركي منذ عام 1970-1983 حيث قدم العديد من البرامج خصوصا مايخص الاطفال والشباب، في نفس الفترة كان يعمل مغنيا وكاتبا للاغاني.

ينتمي ياكوبسن الى نفس جيل صناع الافلام الدنماركيين, اول فيلم له “اريد ان ارى سرتي” اقتبسه من رواية الكاتب هانس هانسن, يروي لنا خجل اؤلئك المراهقين الذين يلتقون في رحلة مدرسية لمدة اسبوع في كوخ بعيد عن الانظارداخل احدى الغابات السويدية, استقبل الجمهور والنقاد الفيلم بحماس بالغ, اعتبروه نقلة, على الرغم من الارتجال الواضح بصريا فإن الفيلم يبقى عالقا في الذهن والفضل في ذلك يعود الى الواقعية التي يتمتع بها واعطائه صورة لماحة على ان الفتيات اكثر نضجا من الصبيان.

الفيلم الثاني الذي اخرجه ياكوبسن كان”طرزان مطاطي” لقد وصفه النقاد بأنه افضل فيلم قدم للاطفال، مأخوذ عن رواية لأوليلند كيركيكارد والتي تحكي قصة الطفل ايفان اولسن بعمر ثماني سنوات يمقت الذهاب الى المدرسة وغير متفوق فيها, يمثل السيرة الذاتية لياكوبسن نفسه حيث كان يعاني اضطهادا في المدرسة, يلقبه والده بطرزان مطاطي سخرية منه في فشل ابنه ايفان لعدم قدرته على تسلق الاشجار, يلتقي الاب بصديق له يدعى”اولي” قوي الجسد، ياخذ على عاتقه تعليم ايفان تذليل كل ما هو صعب ومستحيل ودفعه لان يحرك ويديررافعة ضخمة ما ساعده ان يردد الجملة التي يستند عليها الفيلم, كل انسان في العالم يجيد لعبة او حرفة او ربما محاولة للوصول الى غاية, على الرغم من ان الرواية مكتوبة نهايتها بشكل سوداوي الا ان ياكوبسن يمنحها بعدا آخر اكثر اشراقا وحيوية, حاز الفيلم على ثلاث جوائز في مهرجان بودل الدنماركي، كذلك منح جائزة اليونيسيف في مهرجان برلين.

في العام 1983 اراد ياكوبسن ان يتحدى نفسه ويقدم عملا للكبار ويثبت بان له المقدرة على الدخول في هذه المغامرة فقد جاء فيلم “طائر الرعد” اذ قام بكتابة النص مع هانس هانسن, شخصية جون هي المحور الرئيس, عامل قوي مازال يعيش مع والدته, تتبدل حياته حينما يلتقي بمجرم متهور وصلب, يصر جون على مصاحبته, يقوم جون بإرهاب والده الغني واستغلاله من خلال اللوم الذي يوجهه له من انه كان السبب الرئيس وراء انتحار امه التي يحبها بشكل كبير, في النهاية تهور يكلفه حياته لكنه يمنح جون حياة اكثر اشراقا من خلال الصداقة الجميلة التي نمت بشكل انساني بينهما, فيلمه اللاحق”حمام من ذهب” متعة كوميدية خفيفة, انه نسخة معدة عن مسلسل تلفزيوني قدم في العام 1986 بستة اجزاء وهو يستند على نص كتبه واحد من اشهر كتاب الاثارة الشعبية اندريه بدلسن, يتحدث الفيلم عن اربعة اطفال رائعين وجدوا مبلغا كبيرا من المال المسروق مدفونا في غابة شمال كوبنهاكن, يخطط اللصوص لاستعادة المبلغ باي ثمن حيث تجري مطاردات مثيرة برع المخرج في تجسيدها بشكل ساخر ومرح, لقد قرر ياكوبسن بعد هذا الفيلم التخلي عن عمل افلام يكون ابطالها صغار حيث صرح: لايمكن ان تتنبأ بما سيحدث لك وانت تقود اطفالا صغارا, انه شيء خطر يشبه سحب مسمار من قنبلة يدوية وتنتظر ماذا سيحدث بعد ذلك, الفيلم التالي انجز بطلب ومؤازرة مؤسسة صندوق الفيلم الدنماركي لافلام الاطفال, وبدون حماسة تذكر قام ياكوبسن بتنفيذ فيلم “ظل ايما”، ايما طفلة تبلغ من العمر 12عاما، تشعر بأنها مهملة من قبل والديها الاغنياء, قد تاثرت يوما ما بقصة احد المخطوفين والتي حدثت في العام 1932 فرتبت عملية مصطنعة لخطف نفسها والابتعاد عن عالم والديها, تهرب الى منطقة يسكنها العمال في كوبنهاكن, تشعر بالوحدة والخوف فتتعرف على عامل ضخم الجثة لكنه رقيق ومتواضع يدعى “مالثي” يعيش تحت الارض في مياه التصريف القذرة, يستطيع هذا الفتى ان يغيرحياة ايما فيحولها من فتاة متعجرفة الى فتاة غاية في الرقة والحنان, لايخلو الفيلم من عنصر التشويق حيث تقوم الشرطة باعتقال “مالثي” الذي يتضح لنا انه من ارباب السوابق وان الشبهات تحوم حوله, يصل الفيلم الى ذروته في خلق رؤيا بصرية رائعة وبخاصة المطاردة التي تتم في مياه التصريف الى ان يتم اخيرا التقاء العائلة بشكل حميم وودي, من خلال تلك الفترة العظيمة التي عاشتها كوبنهاكن والتمثيل البارع من قبل الممثلة الجديدة والموهوبة لينا كراوس, فإن الفيلم كما وصفه النقاد يعد واحدا من اهم الافلام التي تصور البساطة والعلاقات الحميمة التي تتمتع بها الطبقة العاملة, فيلم “اولاد من سانت بيتر” هو الانجاز التالي لياكوبسن, انها قصة خيالية قائمة على حقيقة خلال الاحتلال النازي للدنمارك, حيث واحدة من اول مجاميع المقاومة المعروفة باسم “نادي ناقوس الكنيسة” انها قصة شباب يتعثرون في محاولتهم تفجير احد القطارات, لم يستقبل النقاد هذا الفيلم بحماس شديد اذ اعتبروا ان الاحداث الحقيقية كانت افضل مما قدمها الفيلم مع ذلك استقبل الفيلم من قبل الجمهور بشكل طيب.