اثنان لا يجتمعان

جمعة اللامي/

هكذا يقرّر خورخي لويس بورخيس، في إحدى قصصه المسماة: “(كتاب الرمل”)، والقرار المقصود هو: “هو” والزمن، و”أنت” والزمن، و”أنا” والزمن. وربما يتذكر بعضنا، حين الحديث عن الزمن، العالم ألبرت آينشتاين، الذي فرش له الصهاينة الطريق ورداً، لكي يقبل برئاسة “إسرائيل” في فلسطين لكنه لم يقبل.
“إذا كان الزمن لا نهائيّاً،
كنا عند أي نقطة في الزمان”
(بورخيس)
ولكن حديثنا اليوم حول هذا العبقري، خارج السياسة، وبعيد عن الانطباعات السريعة، وإنما نريد له على رغم سرعتنا في الكتابة، أن يكون سريعاً الى قلوب ذوي الأفئدة العاقلة، التي تعقل منجزات هذا العبقري، الذي خطّه في الكتابة مثل خط سير عصفور أعرج، على أرض رملية ناعمة جداً.
ثمة الآن أجيال عراقية “ناعمة جداً”، لا تعرف اينشتاين، إنهم يعرفون أشياء أخرى غير الزمن الذي أعاد اينشتاين تعريفه، فكان ما يعرف بالفيزياء الاينشتاينية: الزمكان. والفنانون الحقيقيون، لا أولئك الذين لا يعرفون لماذا يشترون لوحات “غوغان”، ولا اسطوانات فاغنر، ولا روايات كونراد، ولا كتب أشعار تشيلر، ولا كراسات أفكار ميرلويونثي، يعرفون تمام المعرفة ماذا يعني “البُعد الرابع” عندهم. وكذلك الكتّاب والشعراء والمسرحيون، أبناء الأوادم، الذين انقلبوا على سلالاتهم، واختاروا رفاق الأرصفة نسباً، والممسوسين أنسباء، يعرفون جيداً البرت آينشتاين.
كان الواحد منا، حين كنّا صغاراً، وكانت الدنيا كبيرة، يجلس في الحديقة العامة، بعدما يستعير الكتاب من المكتبة العامة، بجوار عمود الكهرباء الحكومي، فلم تكن بيوتنا في تلك الأيام عرفت خدمة التيار الكهربائي.
أقول في تلك الأيام، كان الواحد منا، يحشر أنفه بين صفحات أي كتاب، والكتب المترجمة شبه نادرة في حينه، فيه ذكر لاينشتاين، حتى يحفظ كل كلمة، وكل فارزة، عن ظهر قلب.
كنا نعرف فيزياء قلوبنا وعقولنا، تماماً.
كنا شُراة للمعرفة
وربما كان الرجل السويسري الذي اشترى شهادة الدكتوراه الخاصة بآينشتاين، أحد الكرماء، وهو كذلك طبعاً، فقد ابتاع هذا الرجل، الذي ظل مجهولاً، تلك الوثيقة بمبلغ يساوي مئة وتسعة وتسعين ألف دولار امريكي.
نعم، هكذا هم الأكارم.