رئيس التحرير / سرمد عباس الحسيني /
وكان ما توقعناه في مقالنا السابق، المتعلق بمحاكمة (إسرائيل) في (لاهاي) بتهم الإبادة الجماعية في غزة، وما ترتب عليها من فك اشتباك خنادق هذه القضية المفصلية من التاريخ الإنساني، وبلا أية حذاقة منا، ذكرنا أن بعد المرافعة الأولى ستكون هناك اصطفافات دولية مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك.
فحسب منطق الفكرة السليمة الداعي للاصطفاف إلى جانب المظلوم دائماً، هناك منطق مغاير يساويه في القوة ويعاكسه في ذات المنطق، ولعل خير مثال على ذلك تمثل بانضمام ألمانيا إلى جانب (إسرائيل) تأييداً لها ودفاعاً عنها في دفع التهم الموجهة لها حول ملف الإبادة الجماعية لسكان غزة، التي وصل عدد شهدائها إلى (30) ألف بريء أعزل.
المتابعون يعتقدون أن استماتة ألمانيا بموقفها هذا ربما تنبع من هاجسها المزمن حول عقدة الذنب الألمانية تجاه (الهولوكست)، الذي توج بعد ذاك بتوقيع اتفاقية (لوكسمبورغ – 1952) من قبل جمهورية ألمانيا الاتحادية حينها، مع (إسرائيل) من أجل تعويضات ألمانية للدولة المستحدثة نيابة عن ضحايا (محرقة اليهود).
من جهة ثانية، يعتقد مناوئون أن سبب انضمام ألمانيا إلى جانب (إسرائيل) يرجع إلى الذهنية الاستعمارية، وهو الأمر الذي أكدته (سيفيم داغدلين) عضو البرلمان الألماني عن حزب اليسار المعارض، قائلة (إن رفض الحكومة الاتحادية الشامل والمهين تقريباً لعريضة الدعوى الجنوب إفريقية، هو دليل على الجهل الغربي، وغطرسة استعمارية جديدة).
القرار الألماني أعلاه أثار حفيظة جمهورية (ناميبيا) الإفريقية التي أعلنت قبل أيام رفضها دعم ألمانيا لـ (إسرائيل) في (لاهاي)، إذ قال رئيسها (هيج جينغبوب) حول سر الاعتراض (إن ألمانيا ارتكبت على الأراضي الناميبية أول إبادة جماعية في القرن العشرين عام (1904)، ولم تقم بالتكفير عن ذنب تلك الإبادة، فألمانيا تثبت عجزها عن استخلاص الدروس من تاريخها (المروّع). ليضيف قائلاً (لايمكن لأي إنسان محب للسلام تجاهل ما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين)، داعياً في الوقت ذاته ألمانيا إلى مراجعة موقفها المؤيد لـ (إسرائيل) في محكمة العدل الدولية. ليأتيه الجواب من المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية (كريستيان فاغنر) قائلاً ((لقد أخذنا بالطبع بما صدر عن (جينغبوب) في أننا نسمي الجرائم المرتكبة بحق (الهيريرو والسان والناما والدامارا) بما هي عليه في الواقع -إبادة جماعية- لكننا نرفض في ذات الوقت وضع المحرقة اليهودية بذات المساواة مع الأحداث في غزة))!!
ما ذكره (فاغنر) من تصريح أمر يدعو إلى الغرابة، فقيمة الدم المراق بغير حق، في أي مكان من العالم واحدة لا تتجزأ، وفي ذات الوقت يؤيد تصريحه ما ذكرته زميلته في ذات المعترك السياسي (داغدلين)، الذي يدعم فكرة ازدواجية المعايير الغربية التي وقع في شرك زلة لسانها ممثل الشؤون الخارجية للاتحاد الأوربي (جوزيب بوريل) في لقاء متلفز مشهور.
وعلى ذات التلفاز وما يرتبط بعالمه من وسائل إعلامية تكشف يومياً زلات لسان وازدواجية معايير كشفتها أحداث غزة وطوفانها، نتابع نتائج دعوى جنوب إفريقيا في (لاهاي) بتساؤلات مستجدة منها:
هل ستفتح مرافعات واصطفافات محكمة العدل الدولية دعاوى تعويض عن إبادات جماعية سابقة ملزمة التنفيذ والتعويض.. على غرار تعويضات ألمانيا تكفيراً عن ماضيها الاستعماري والهتلري؟!!
… الـله أعلم..