عامر جليل إبراهيم
تصوير/ مفتشية آثار كربلاء
تحفة فنية ورائعة من روائع الآثار التاريخية والإسلامية في العراق، يمتاز بضخامة بنائه وتفرده من حيث التصميم والبراعة الهندسية. إنه حصن الأخيضر الذي يقع في الصحراء الغربية على بعد 35 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة، وعلى بعد 150 كم من العاصمة بغداد.
“الشبكة العراقية”، ضمن سعيها للتعريف بالأماكن الدينية والأثرية في العراق، وتشجيع السياحة الدينية والتاريخية، تحاول من خلال تحقيقها هذا تسليط الضوء على هذا المعلم العمراني المهم والشاخص التاريخي.
في طريق صحراوي صعب لا يخلو من المتاعب، شددنا الرحال نحو هذا الصرح الأثري، برفقة السيدة ولاء منعم جبار منقبة الآثار في مفتشية آثار كربلاء، التي حدثتنا عن هذا المعلم الأثري قائلة: يقع الحصن في الصحراء الغربية على بعد 35 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة، وعلى بعد 150كم من العاصمة بغداد. مضيفة: أن القصر يتألف من حصن كبير وضخم، برع بناؤوه في هندسته، وهو مشيد من الحجر والجص، وبعض أجزائه مبنية بالطابوق والجص، يحوي في داخله قصراً فخماً تبلغ أبعاده 112× 86 متراً، يحيطه سور محصن على غرار القلاع الحربية. القصر مستطيل الشكل، يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب 176م، وعرضه من الشرق إلى الغرب 169متراً، وارتفاع السور الخارجي 10,5 متر وعرضه 4,5 متر.
هندسة معمارية
تمضي السيدة (ولاء ) بالقول: إن الحصن مقسم إلى جزء مركزي يحتوي على الرواق الكبير والبيوت الأربعة والحمام والمطبخ، أما في الواجهة الشمالية الشرقية داخل الحصن فيقع بيت الأمير، والجزء الشمالي المركزي منه يتكون من ثلاثة طوابق، وهو محاط برواق كبير تعلوه قباب مشيدة بعناصر معمارية مختلفة تدل على معرفة وذوق الفنان المعماري العراقي منذ أقدم العصور. الجزء العلوي من الحصن محاط من الأعلى بقبة. يحتوي القصر مجاري مياه سرية داخلية تحت الأرض تجري لمسافات بعيدة إلى الخارج، كذلك هناك أنفاق سرية داخلية تحت الأرض تمتد إلى مسافات بعيدة خارج الحصن. كما يضم أيضاً أنفاقاً سرية داخلية من خلال قاعات الجزء المركزي في البيوت الأربعة التي تحيط بالجزء المركزي باتجاه المساحة المحصورة بين الجزء المركزي والحصن الخارجي.
ذهنية خارقة
رافقنا في هذه الرحلة، إضافة إلى السيدة ولاء، منقب الآثار السيد زيد عبد علي كاظم، الذي حدثنا قائلاً: إن السور مدعم بـ 48 برجاً، أربعة منها كبيرة تحتل الأركان الأربعة، قطر كل منها 5,10 متر، فيما تتوزع الأبراج الأخرى على عشرة أبراج في الضلع الواحد، خمسة منها على يمين كل مدخل، وخمسة أخرى على شماله. قطر كل منها 3,3 متر، ويتصل كل برج من الأبراج الأربعة بسلم خاص من الداخل يوفر لها الدعم والمعدات والمؤن، لأنها تمثل نقاط الإسناد الرئيسة في الحصن أكثر من غيرها من الأبراج الأخرى، وتبرز الأبراج عن محيط السور نسبياً، ما يساعد على الرصد بمحيط 360 درجة، وبذلك يمكن رصد جميع المناطق المحيطة بالحصن من خلال المزاغل العمودية والمستعرضة، التي يمكن أن تستوعب العشرات من الجنود، فضلاً عن احتواء السور الدفاعي على شقوق مائلة وظيفتها صب الزيت من الأعلى في حالة اقتحام العدو إحدى البوابات الأربع من القصر المنيع. تؤكد هذه التقنية العالية أن مصمم القصر ذو ذهنية عسكرية خارقة.
أصل التسمية
وفيما يخص تسمية هذا القصر بالأخيضر يبين السيد (كاظم): أن هناك آراء متضاربة عدة اختلف فيها كثير من الباحثين والمؤرخين، منها رأي المؤرخ المعروف محمود شكري الآلوسي، الذي يؤكد أن كلمة الأخيضر محرّفة من الاسم (الأكيدر)، وهو اسم أمير من أمراء كندة أسلم في صدر الإسلام. أما الباحثة الإنكليزية غيرترود بيل، التي زارت الموقع سنة 1909 فتقول: إنه من الأبنية الإسلامية التي شيدت في عصر الدولة الأموية، وعرفته بموقع دولة الحيرة، يتفق معها كل من المؤرخين (أوسكار، ورويتر، وهرتسفيلد، وموزيل، وكريسويل) على أنه من الأبنية الإسلامية، لكنهم يخالفونها الرأي في نسبته إلى العصر الأموي. أما الرأي الأخير والأصوب، فهو الذي ذهب إليه (كريسويل) باحتمال أن مَن شيد هذا الحصن هو الأمير عيسى بن موسى، عم الخليفة العباسي المنصور.
أثر عباسي
تختتم السيدة (ولاء) حديثها خلال جولتنا في هذا الصرح بالقول: إن المرحلة التاريخية التي ينتمي اليها الحصن -كما ذكرت- هي في زمن العصر العباسي، وقام بإنشائه ولي العهد المخلوع عن ولايته عيسى بن موسى بن علي أثناء خلافة أبي جعفر المنصور 158هـ ـ 775م في صدر الدولة العباسية الأول، وهذا ما أكده المستشرقون، ومنهم المس بيل في رحلتها إلى العراق، إذ أشاروا إلى انه أثر عباسي، مستندين في ذلك على اكتشاف الجامع الموجود داخل الحصن.