علي لفتة سعيد/
ربما يكون العرب أول من عد الحمّام وسيلةً للنظافة وزيادة أواصر العلاقات الاجتماعية بين أفراد المنطقة الواحدة. لذا لا تكاد مدينة، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، تخلو من وجود حمّامات.
كانت الحمامات من أهم الأماكن التي تدور حولها الحكايات، سواء الشعبية منها أو الفلكلورية، فضلاً عن الحكايات السردية من قصصٍ ورواياتٍ وحتى قصائد. وحمّام البيت مهما كانت سعته ودرجة حرارته فإنه لن يكون كما هي حمّامات المدينة، التي أطلق عليها في أزمانٍ عديدة قبل دخول حمّامات (الساونا) وغيرها اسم الحمّامات الشعبية، بل إن الحضارات القديمة كانت واحدة من أهم مرتكزاتها هي وجود الحمّامات، كما في الحضارات السومرية والبابلية والنيلية واليونانية والإسلامية والعثمانية، حتى قبل انقراض القرن الماضي الذي تراجعت فيه الحمّامات وتحوّلت أماكنها خلال العقدين الأخيرين الى محال ومولات لأسباب اقتصادية وتجارية لوقوع هذه الحمّامات الشعبية في أماكن وأحياء أصبحت وسط المدينة أماكن تجارية.
هذه الحمّامات جعلت الباحث والمؤرخ (طه الربيعي) يبحث في التاريخ ويصدر كتاباً عنها، منطلقاً من مدينة كربلاء ليسع أغلب حمّامات العراق، وإن اختلفت الأسماء أو حتى تشابهت. يقول الربيعي في كتابه (حمّامات كربلاء الشعبية) إن “الحمّامات انتشرت في البلاد العربية والإسلامية والشرقية وفي اليونان القديمة وإسبانيا منذ عدّة قرون، بينما انتشرت الحمّامات المنزلية الخاصة في البيوت والمنازل منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.” ويشير الى أن هذه الحمّامات تتكوّن من بناءٍ يحوي قاعات وغرفاً عدّة تتوسّطها بحيرات يتدفّق فيها الماء الساخن من سخانات وغلّايات خاصة، وهناك بعض الحمّامات العامة يردها الماء الساخن من عيونٍ طبيعيّة تنبع من الأرض، وفي كثير من الأحيان تكون تلك المياه معدنية أو كبريتية ذات صفات وطاقات علاجية. كما أن هذه الحمّامات لها أشكال عديدة، منها الحمّام الروماني والفنلندي (الساونا) والروسي (بانيا) والحمام التركي وجميعها تمتاز بالتركيز على المياه.
أقسام الحمام ومكوناته
لكلّ حقبة تاريخية شكل ومبنى من الحمّامات. فالحمّام العربي والإسلامي يكون البناء متمثلاً بالقباب التي تسمح بدخول الضوء والحفاظ على الحرارة وتكاثف الأبخرة، وهو ما ذكره (عبد الرحمن بن نصر الشيزري)، وهو يصف الحمّام بأنه (خير الحمّام ما قدم بناؤه واتسع هواؤه وعذب ماؤه، وقدر الوقاد وقوده بقدر مزاج من أراد وروده، واعلم أن الفعل الطبيعي للحمّام هو التسخين بهوائه والترطيب بمائه).
في حين ذكر ابن بطّوطة عن حمّامات بغداد التي كانت شهيرة ومعروفة في العهود الأموي والعباسي والعثماني إذ يقول “حمّامات بغداد كثيرة، وهي من أبدع الحمامات، وفي كلّ حمّام خلوات كثيرة كل خلوة منها مفروشة بالقار، مطلي نصف حائطها مما يلي الأرض به، والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض الناصع…وفي داخل كل خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد، ولم أر هذا الإتقان كله في مدينة سوى بغداد، وبعض البلاد تقاربها في ذلك.”
الشعراء والفلاسفة والعلماء
تناول الكثير من النصوص الأدبية الحمّام كفضاءٍ مكاني وأحداثٍ وحكاياتٍ خاصةـ، باعتباره مركباً معمارياً جمالياً يجمع بين شعرية المكان والهندسة والطقوس والحقبة. يقول الربيعي “لا تختلف حمّامات كربلاء عن حمّامات النجف، وبغداد وأربيل وإيران وتركيا، ولا حمّامات فاس ومراكش وتطوان وطنجة ووجده ومكناس عن حمّامات تلمسان وتونس والقيروان.. إلّا في لمسات تهجس بها الجهة، وتشي بِطَابَعِهَا.” ويعتقد ان هذا الثراء المعماري في الحمّامات، حسب صاحب (العبور من تحت إبط الموت) ليس بذخاً ولا ترفاً وإنما هو ضرورةٌ حياتية فرضها مستوى العيش العام، وتَطَلَّبَهَا إيقاع التطور، والبعد الروحي الذي يربط الإنسان بقبة السماء. فهو يتطهّر ويتجمّل ويتزيّن في الحمّام.
أقسام الكتاب
الكتاب لا يقف عند حدود ما جرى ذكره، بل يتوسّع بحسب الفهرست الى مفهوم الحمّام وأقسامه ومكوّناته وبداية ظهور الحمّامات الشعبية وتوسّعها، وإن أول من دخل الحمام هم الفراعنة، كما أن هناك إشارات الى أن النبي سليمان عليه السلام هو أوّل من صنع الحمّام بمساعدة (الجن) وهناك إشارات تاريخية أبعد من هذا وذاك دونتها مصادر مسمارية ومكتشفات آثارية تؤكد بأن الإنسان العراقي القديم كانت النظافة من أهم الأشياء التي اهتم بها وحرص على وجودها في حياته، وكذلك حمل الكتاب فوائد الحمّامات وما قيل عنها في الأمثال الشعبية وحمّامات النساء والمواد والحاجات التي تجلبها المستحمّة معها، وغير ذلك من الأقسام.