#خليك_بالبيت
اياد عطية الخالدي /
منذ تخرُّجها من كلية الهندسة سعت مريم إبراهيم للحصول على فرصة عمل باختصاصها هندسة الميكانيك في القطاع الخاص لكن مع انهيار هذا القطاع فمن الصعوبة أن تجد خريجة لا تمتلك الخبرة وظيفة فيه، ومع هذا فإنَّ مساعيها للحصول على فرصة عمل لم تتوقف حتى بوظيفة لا تلائم تخصّصها، غير أنّها أصيبت بالإحباط لسوء معاملة المرأة العاملة من قبل أصحاب العمل والنظرة غير اللائقة لها، إذ تشكو العديد من النساء من تعرضهن للتحرش من قبل أرباب العمل.
الطلبة يتظاهرون
في العام 2019 انخرطت مريم في تظاهرات نظمّها الخريجون الذين تتضاعف أعدادهم سنوياً، من دون أن يجدوا وظائف تناسب تخصّصاتهم العلمية، فيطرقون أبواب الدولة التي بدأت تنحسر الفرص التي توفرها لخريجي الجامعات العراقية الذين تتضاعف أعدادهم بشكل كبير، لم تعد مؤسّسات الدولة التي تكاد تنفجر بالموظفين قادرة على استيعابهم.
شاركت إبراهيم في أول تظاهرة دعا اليها الخريجون عبر صفحات التواصل في منطقة علاوي الحلة في الشهر التاسع من العام الفائت، لكن التظاهرات قوبلت بعنف مفرط وغير مبرّر من القوات الأمنية ومهدت في ما بعد لاحتجاجات كبيرة شهدها العراق في تشرين من العام الفائت كان الطلبة والشباب العاطلون رأس الحربة فيها.
وتحت ضغط التظاهرات منحت حكومة رئيس الوزارء السابق عادل عبد المهدي خمسة آلاف فرصة عمل للمتظاهرين في وزارة الدفاع، لكن مريم والمئات من زملائها يقولون إنّ تلك الفرص سرقت منهم، إمّا بالفساد أو بالمحسوبية والواسطة، لكن المئات منهم يتظاهرون دائما رغم حرارة الجو، وقال حيدر، بكالوريوس لغة عربية وزميله محمد، بكالوريوس هندسة مدنية، إنّهم جميعا تقدّموا بطلب التعيين مع جميع المستمسكات المطلوبة وكان عددهم كبيرا ومن المحافظات كافة، في المقابل أعطوهم ورقة صغيرة عليها اسم المتقدم ورقم، لا يعرفون سرّها، وليس عليها أي تاريخ، كان ذلك في تشرين الثاني المنصرم..
وعادت مريم مرة أخرى مع المئات من زملائها لتجديد مطالبهم في ظل تفشي وباء كورونا المستجد وتحت لهيب شمس تموز الحارقة، هذه المرة يطالبون بحق يعتقدون أنّه اغتصب منهم، وفي الثامن من تموز، وبينما يحاول المتظاهرون الاقتراب من أحد مداخل الخضراء تصدّت لهم قوات أمنية حاولت تفريقهم…
تقول مريم ابراهيم وزملاؤها إنّ المسؤولين يمرون يوميا من مكان تظاهراتهم، وينظرون اليهم من نوافذ سياراتهم الفارهة دون أن يكلّفوا أنفسهم الاستماع لشكاواهم.
وبينما تتمسّك مريم وزملاؤها بأمل في الحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة التي تعاني من تضخم عدد الموظفين والبطالة المقنعة وتواجه أزمة مالية دفعتها إلى الاقتراض المحلي والخارجي لدفع مرتبات العاملين فيها، فإنّ عشرات آلاف من الخريجين يئسوا وراحوا ينخرطون في أعمال لا تناسب مع ما بذلوه من جهد في تعليمهم.
المزيد من الخريجين
ويتساءل كريم الغراوي خريج الجامعة التكنولوجية؛ لماذا درسنا، تعبنا، كلّفنا أهلنا الكثير من الأموال التي اقتطعوها من لقمة عيشهم، اذا كانت النهاية أن أعمل سائق أجرة تكسي، حالي حال أي سائق أجرة لم يَتعب ولم يُتعب أهله.
تشير إحصائيات لمنظمات دولية ومحلية إلى أنّ نسبة البطالة في العراق تقترب من الثلاثين بالمائة من عدد السكان القادرين على العمل، يشكّل الخريجون نصفهم تقريباً.
وبينما تتظاهر مريم ابراهيم إلى جانب الآلاف من أقرانها للحصول على وظيفة فإنّ 20 ألف طالب دراسات عليا يدخلون امتحاناً الكترونياً هو الأول من نوعه في العراق للحصول على شهادتي الدكتوراه والماجستير، يقول المعنيون إنّ أعدادهم أكبر من حاجة البلاد، وبالمقارنة مع الدول العربية فإنّ نسبة طلبة الدراسات العليا تشكّل ضعف أعداد الطلبة في مصر بالمقارنة مع عدد السكان، وخمسة أضعاف أعدادهم في الجزائر، مع أن 30 جامعة حكومية على الاقل خارج أي تصنيف عالمي لجودة التعليم بينما تحتل خمساً منها ذيل القوائم في هذه التصنيفات ومن بينها تصنيف مجلة تايمز البريطانية لجودة التعليم، كما أنّ الجامعات العراقية خارج تصنيف أفضل عشرين جامعة عربية التي تتقاسمها جامعات مصرية وخليجية ولبنانية وجزائرية، وهذا لوحده مبرر كافٍ يستدعي إعادة النظر بالإجازات التي منحت لتلك الجامعات لا سيما الأهلية.
جودة التعليم
وتخرج الجامعات العراقية نحو 180 ألف طالب سنوياً، وفقاً لبيانات وزارة التعليم والبحث العلمي لا تستوعبهم مؤسّسات الدولة وسوق العمل، ويضافون بالتالي على قائمة العاطلين عن العمل.
وواجه قطاع التعليم في العراق انتقادات واسعة لضعف مخرجاته، لا سيما مع التوسع الهائل في الجامعات الأهلية.
ورفض حيدر جبر المتحدث باسم وزارة التعليم الاتهامات التي تطال مستوى المخرجات في الجامعات العراقية سواء أكانت حكومية أم أهلية.
وقال جبر في تصريحات لقناة محلية: إنّ الجامعات العراقية الأهلية تستحدث بناء على دراسات وشروط ومقومات قبل أن يوافق عليها مجلس الوزراء.
وأضاف أن الوزارة غير مسؤولة عن توفير فرص عمل للخريجين، وأن خططها في استحداث الجامعات قائمة على دراسات لحاجة السوق المحلية والخارجية.
ويقول وزير الصحة العراقي السابق جعفر صادق علاوي: إنّ الأطباء العراقيين لا يصلحون للعمل ممرضين. لم يكن علاوي هو أول المنتقدين إذ أجمع أكاديميون وأساتذة على ضعف مستوى التعليم في العراق، وأبدى الكثيرون استغرابهم من ركاكة أسلوب شخصيات اجتماعية تظهر على التلفزيون وتحمل شهادة عليا وهي لا تجيد كتابة جملة من أربع كلمات بدون أخطاء.
كليات أم دكاكين؟
وعدّ الناشط في مجال التعليم ذو الفقار حسين الجامعات العراقية تخرّج أميين بدرجة بكالوريوس ودكتوراه.
وقال في حديث لقناة محلية: “إن الكليات الأهلية ماهي الا دكاكين صغيرة لجني الأموال والا هل يعقل أن تحصل جامعة على رخصة من وزارة التعليم ومقرّها عبارة عن منزل مؤجّر!
وأشار إلى غياب التخطيط وعدم وجود رؤية لدى الوزارة لدراسة وتقدير حاجة سوق العمل من المخرجات، وأعرب عن استغرابه من حديث الوزارة عن تصدير مخرجاتها إلى الأسواق الخارجية والشهادة العراقية لا يعتد بها بسبب عدم رصانة التعليم في البلاد.
وفي عام 2006، أي قبل نحو أربعة عشر عاماً شخّص مراقبون وأكاديميون التوسُّع الكبير في استحداث الجامعات الجديدة، وقد أكد ا.د حاتم عطية رئيس جامعة بغداد آنذاك “أنّ عملية التوسُّع لم تمر عبر تخطيط ودراسة علمية، وأنها خضعت في العديد من جوانبها إلى قرارات ارتجالية، وهذا أثّر في مستوى ونوعية الدراسة في هذه الجامعات وعلى ضعف المتخرجين بالنتيجة.
وبحسب دائرة الاحصاء في وزارة التعليم فقد ارتفع عدد الجامعات الحكومية في العراق إلى نحو 35 جامعة مقابل 27 جامعة مصرية كما ارتفع معدل الجامعات والكليات الاهلية إلى 73 مقابل 35 في مصر، وهو بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من ضعف عدد سكان العراق وتتقدّم جامعاته في جودة التعليم بفارق كبير عن الجامعات العراقية، ويدرس في جامعاته الآلاف الطلبة من دول عربية وافريقية بما فيهم طلبة عراقيون.
وتُتَّهَم الكليات الأهلية بأنها تستهدف الربح السريع على حساب منظومة القيم والاعراف العلمية والجامعية، حيث يمكن للعراقيين الحصول على الشهادة دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء الدوام أو الدراسة الجادة، طبعا لا نعمم هذه الحالة، لكنّها حقيقة موجودة.
وبالمقارنة مع الجامعات العربية المستحدثة التي تخصّصت في علوم التكنولوحيا والذكاء الصناعي فإنّ الجامعات العراقية لا تواكب التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة كما أنّها لا تلبي احتياجات السوق العراقية الا بقدر بسيط.
ملف سياسي
ويعتقد الاستاذ في الجامعة المستنصرية أحمد الفرطوسي أن المعيار في ما يخص استحداث الجامعات هو زيادة النسبة السكانية ولكن بشروط ومن بينها حاجة سوق العمل، واعتمادها المعايير العالمية في الاستحداث كالمساحات الخضراء، وتوفير المختبرات العلمية المتطورة، والعناية بالبيئة الجامعية، والاهم من كل ذلك تحقق اشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عليها، وهذا الملف حقيقة بحاجة لاعادة النظر فيه، وضبط معاييره بشكل افضل، لانّ فيه من المشاكل الملموسة ما يفرض عليك واقع الاصلاح والمعالجة السريعة، وهذا واجب دوائر كاملة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لمتابعة هذا الملف، ولكنّها حين تأتي للمعالجة تصطدم بمعوقات ومعرقلات في غالبها ذات بعد سياسي.
وقال: أما مسألة التقديم على الدراسات العليا فهذا الملف هو الاخر اصبح فيه معرقلات سياسية مثلاً يفرض قانون السجناء السياسيين منح مقاعد للسجناء السياسيين، وقانون الشهداء كذلك، مع ان هذه مسألة علمية بحتة لا علاقة لها بالظلم الذي لحق بالانسان من استبداد الانظمة وكان ينبغي على مجلس النواب تعديل هذه القوانين؛ لما لها من خطورة على الواقع العلمي في البلد فهي مسألة لا علاقة لها بالتعويض، التعويض يكون بالاموال، بالعقارات، بغيرها ولكن ان يأتي الموضوع على منح مقاعد، فهذا يحتاج الى وقفة جادة لاعادة الامور لنصابها الطبيعي وعدم الفرض على وزارة التعليم بقوانين لا تنتمي لمنظومتها العلمية، ناهيك عن التوسُّع غير المسبوق باعداد المتقدمين تارة بسبب اعداد البطالة فيريد ان يشغل وقته بما هو مفيد، وتارة لتحسين الوضع الاقتصادي بالنسبة للموظفين، وهذا الامر يجعل قسماً من المخرجات ليست بالمستوى المطلوب، ما يستدعي تعليق الدراسات العليا في عدد من الاختصاصات لمدة خمس سنوات في الاقل.
ودعا الاستاذ أحمد الفرطوسي إلى جعل فتح الاختصاص مرتبط بالحاجة الفعلية للبلد، كي لا تكون أعداد هذه المخرجات فائضة عن الحاجة الفعلية للبلد، وهذا يستدعي طرح المقترح في جلسة مجلس الوزراء بالاتفاق بين الوزارات المعنية بهذا الشأن لا سيما التعليم العالي، والتربية، والتخطيط، لانّ ذلك سيجعل من عملية التصحيح ناجعة وصحيحة، نحن ننطلق من رؤية منطقية للمعالجة.
ثلاثية الفشل
ويحدّد الدكتور محمد ابو الطيب الأسباب التي أدّت إلى فشل وزارة التعليم العالي سواء في ما يخص الدراسات الأولية أو العليا، وكذلك الدراسات الحكومة أو الأهلية، وهي التهاون في استحداث الكليات بدون دراسات ومن دون معاييرعلمية، وصارت الكليات تهدف إلى منح عناوين أكثر مما تزوّد المتخرج بالكفاءة والعلمية وكأنّ الهدف هو تخريج أكبر عدد من الطلاب، لا سيما في الدراسات المسائية الحكومية والكليات الأهلية في مقابل فشل الحكومات المتعاقبة في خلق قطاع خاص يوفّر للمتخرجين فرص عمل حقيقية.
ويعتقد الدكتور أبو الطيب أنّ الوزارة في خططها وقوانينها وتصرفاتها منفصلة عن الواقع وكلّ ما يجري فيه. ويمكن أن نرى ذلك بثورة هوس في استحداث المزيد والمزيد من الكليات الإنسانية والأهلية، حيث تغيب الرصانة المعقولة.
وشدد أبو الطيب على أن ما حدث أدّى إلى تشوهات واضحة في البنية المؤسسية للجامعات العراقية. ويتساءل الدكتور محمد أبو الطيب “هل تمتلك وزارة التعليم العالي رؤية عن حاجة البلد إلى الخريجين على مدى السنين القادمة؟ هل أجرت دراسة للحاجة الحقيقية وأخذها بنظر الاعتبار، أم إن الكليات الاهلية أصبحت مصدر دخل مريح وهائل، دون النظر لأي معيار آخر. وعلى سبيل المثال، كان عدد المحامين المسجّلين في نقابة المحامين في النجف الأشرف قبل بضع سنوات يتجاوز 4000 محامٍ، هل يمكن تصوّر هذا الرقم!!!.. ما الذي يمكن أن يعمله 4000 محامٍ في محافظة تعداد سكانها لا يتعدّى مليونا وربع المليون إنسان، وطبعا ما زال العدد بازدياد كبير ومستمر.
ويقول أبو الطيب إنّ كل ما نلمسه هو وجود تهاون غير مبرّر في التعليم العالي يضرب بكل معايير النجاح الأساسية، مما أدّى إلى تخرج الأعداد الضخمة من الطلاب دون أي استحقاق حقيقي لنيل شهادتهم.
ولا أدّل على ذلك من الزيادات غير المعقولة في الدرجات وتكرار الأدوار الثالثة وحتى الرابعة لضمان نجاح وتخريج الطلاب، وإعادة المرقّنة قيودهم دون أي شروط. فلم يعد أي مبرّر لسعي الطالب للتحصيل العلمي الحقيقي، ما دام النجاح مضموناً في النهاية.
وأكد أبو الطيب أنّ الحكومة ارتكبت خطيئة كبرى بإهمالها للقطاع الخاص، وعدم سعيها لإحيائه في أي مرحلة من هذه السنوات 17 الماضية، لذا لم يجد الشباب من خيار الا التعيين في القطاع الحكومي كوسيلة وحيدة للحصول على دخل مادي.
النسخة الألكترونية من العدد 363
“أون لآين -6-”