سام محمود /
في أقصى شمال شرقي تركيا، أعلى تلة تطل على البحر الأسود من جهة وعلى وسط المدينة من جهة أخرى، أنشئت في عهد الإمبراطور البيزنطي مانويل كومنينوس كنيسة آيا صوفيا عام ١٢٦٣م، ثم حُولت الى مسجد في العام ١٤٦١، عندما فتح السلطان محمد الفاتح خان مدينة طرابزون.
تعد طرابزون إحدى أبرز المدن الساحلية والسياحية في الشمال التركي، وتمتاز بكثرة جبالها الخضر والتلال المنتشرة وسط المدينة، ومن أبرز معالمها مسجد آيا صوفيا، لكنه أصغر مساحة من مسجد آيا صوفيا الشهير في اسطنبول.
كانت مدينة طرابزون قبل أن يفتحها السلطان محمد الفاتح خان تحت سيطرة الكومنوسيون، وتم وضع شعارهم “النسر” على الجهتين الجنوبية والشرقية لآيا صوفيا.
تقع المدينة في إقليم طرابزون، الذي يضم مناطق إدارية عدة، وترتفع طرابزون 39 متراً فوق مستوى سطح البحر، وتُعدّ عاصمة الإقليم.
وتضم المدينة ميناءً يقع على البحر الأسود ومركزاً تجارياً، حيث تصدّر المنتجات الغذائية والتبغ، وتمتلك المدينة العديد من المعالم التاريخية التي تمّ الحفاظ عليها.
تحتفظ مدينة طرابزون الحديثة بالكثير من المظاهر التي تعود للعصور الوسطى، حيث يقع قلب المدينة على سهل منبسط مثلث الشكل بين واديين عميقين، مع احتفاظه بالمرفأ الروماني القديم في قاعدته، وفي نهايته الجنوبية توجد آثار قلعة، كما يشتهر وسط المدينة بأنّه مطوق بالجدران من الشرق والغرب والتي يعود تاريخها للعصور البيزنطية، كما يوجد الحي التجاري للمدينة حول البازار والمتنزه اللذين يقعان في الجانب الشرقي من المدينة بالقرب من قلعة يوروس القديمة.
وتشتهر المقاطعة بالغابات الكثيفة وهي مكتظة بالسكان، وتُنتج العديد من المحاصيل كالفواكه والبندق.
عِمارة آيا صوفيا
الطراز المعماري لآيا صوفيا في طرابزون هو امتداد للكنائس البيزنطية، بل دليل على جمال العمارة البيزنطية، وصمم كمربع صليبي مع قبة مرتفعة كبيرة وثلاثة مداخل لقاعاته، فيما تضم قبته اثنتي عشرة زاوية ومحمولة على أقواس وأربعة أعمدة رخامية.
تحتوي قاعاته على زخارف هندسية وفق الطراز السلجوقي، أما جهته الجنوبية، التي تعد الأبرز فيه، فتحوي جدرانها قصة خلق آدم وحواء، وقد نقشت بطريقة (بريل).
جدران وقبة هذه الجهة صورت القصة بالكامل، بداية من خلق آدم وحواء ثم عيشهما في الجنة ثم التفاحة الممنوعة وأخيرا قصة قتل قابيل لهابيل.
نقشت على قبة آيا صوفيا من الداخل صورة عيسى بن مريم، وهي الصورة الأساسية للكنيسة، وتحتها صور للملائكة، وبين نوافذها صور اثني عشر حوارياً.
صورت القبة من الداخل أيضا قصة ولادة المسيح وتعميده وصلبه ويوم القيامة، وأضيفت للبناء الأساسي لآيا صوفيا منارة عام 1427م، وكانت بمثابة برج للكنيسة، ثم استخدمت كفنار للبحارة، كونها قريبة جداً من الساحل وتقع عند نهاية التل، ثم تحولت إلى منارة للمسجد بعد ذلك.
تقع المنارة في حديقة البناء، ويفصلها عن قاعات المسجد حوض حجري يحتوي على درجات صغيرة.
يضم البناء الأساسي سرداباً كبيراً، وممكن مشاهدة أبوابه في الحديقة وبجانب مداخل القاعات، حيث تظهر بوابة صغيرة مغطاة بالحجر، ويتم النزول اليها بواسطة درجات سلم صغير تنتهي بأبواب حديدية محكمة الإغلاق.
كما تحتوي حديقة آيا صوفيا، وعند المدخل الرئيس للبناء، على قبور لرجال دين عثمانيين، حيث تزين شواهد قبورهم بالعمامة، وتنتشر هذه القبور على طول الجزء الشمالي من الحديقة.
مراحل الترميم والافتتاح
بعد أن حُولت آيا صوفيا لمسجد، احتفظت بكل تاريخها الكنسي والرسومات الأسطورية وقصص الإنجيل التي نقشت على جدرانها، وبقيت 500 عام تستخدم كمسجد، لكن خلال الحرب العالمية الأولى استخدمت كمستودع ومستشفى، حتى أعيد ترميمه من جديد وفتح كمسجد وكموقع سياحي أيضا.
تطل حديقة آيا صوفيا على البحر الأسود، حيث تقع عند حافة التل، ولا يقع أمامها سوى الخط السريع الذي أنشئ مؤخرا، وهو محاذ لساحل البحر.
تحيط المسجد اليوم بنايات سكنية ومجمعات تجارية عدة، ويربطه بالسوق الشعبية زقاق طويل، ويتم الوصول اليه بواسطة الحافلات بكل سهولة.
عام 1868 أعيد ترميم مبنى آيا صوفيا، ثم تم افتتاحه كمتحف عام 1964 بعد ترميمه مرة أخرى من قبل الإدارة العامة للأوقاف بالتعاون مع جامعة أدين بورك سنتي التركية.
تحول آيا صوفيا الى مقصد مهم للسائحين في مدينة طرابزون التركية، ويستقبل خلال فصل الصيف آلاف السيّاح من دول الخليج وإيران والعراق، خاصة مع إنشاء شرفة زجاجية قبل الدخول اليه تطل على البحر، حيث أصبحت مكاناً مهماً لالتقاط الصور التذكارية، فضلاً عن وجود أماكن جلوس في حديقته تطل على الساحل، بالإضافة لوجود إنارة قوية ومميزة ليلا.
تُغلق أبواب مسجد آيا صوفا في أغلب أوقات فصل الشتاء، وذلك لترميمه وتنظيفه استعداداً لاستقبال السيّاح في فصل الصيف، حيث تعمل الإدارة المحلية لمدينة طرابزون خلال الشتاء على تأهيل الأماكن الأثرية والسياحية نظراً لقلة الوافدين للمدينة خلال هذا الفصل من السنة.
اليوم بات آيا صوفيا مسجداً ومعلَماً سياحياً، يُرفع فيه الأذان بكل أوقاته ومع وجود السائحين، كما هو حال المساجد الأثرية في اسطنبول.