مجلة الشبكة/
مثل النار في الهشيم، انتشرت مؤخراً إشاعتان على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت من على صفحات الفيسبوك وصولاً الى الواتس أب، الأولى كانت خبراً عن حشرة (غريبة) تجتاح محافظة صلاح الدين. وفي اقل من ٤٨ ساعة بدأت حتى الفضائيات التي لم نتعود منها بث الإشاعات تبثها في شريطها الإخباري، وكانت الحشرة قد وصلت الى محافظة الأنبار ومن ثم الى محافظات الجنوب.
الإشاعة الثانية كانت عن استقطاعات من رواتب المتقاعدين فضلاً عن تقليل مبالغ رواتبهم حسب الخدمة وغيرها من (المعلومات). الإشاعة الأولى توقفت بعد ان بدأ ناشطون على الفيسبوك يشرحون تفاصيلها وبأنها حشرة (سوسة الأرز) الموجودة دائما في الأرز المحفوظ سواء في البيت او المخزن، وعلاج لسعتها في وضع قطعة ثلج في المكان وان الصور المرعبة المنشورة، علما أنها كانت صورة واحدة فقط تتكرر بعد إضافات من الفوتوشوب، هي صور كاذبة، والإشاعة الثانية وأدها بيان نفي صدر عن هيئة التقاعد الوطنية.
لا أدري من كان اول من نشر على صفحته عن حشرة (سوسة الأرز) او عن (رواتب المتقاعدين)، ولكن بدا واضحا ان الجهة التي كتبت، خبيرة ولديها مختصون سواء بالحشرات او بالمحاسبة وحسابات الرواتب ونسبها، لتبدو الإشاعة وكأنها حقيقة. ولكن لابد من الاعتراف بوحود جيش الكتروني يستهدف العراقيين لجعلهم مرعوبين دائما وابعادهم عن التفكير إيجابيا وإغراقهم بالطاقة السلبية.
المعروف أن الإشاعة من اكثر الحروب التفسية فتكاً ونجاحاً، خاصة اذا ما عرفنا ان هناك اكثر من ١٤مليون ونصف المليون عراقي لهم صفحات على الفيسبوك، والمختصون الذين يطلقونها لتنتشر يعرفون مدى تأثيرها على المواطنين الذين يمرون بظروف متعبة بسبب القضايا التي (يبدع) السياسيون باختلاقها، فالأجواء العراقية مشحونة دائماً سياسياً و أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، عدا فضائيات الإرهاب الإعلامي، بعضها خاصة يملكها عراقيون، احزاب وشخصيات، وبعضها عربية وأجنبية والتي لا تتوقف عن بث الرعب بين العراقيين ومحاولات شق الصف الوطني، فضلا عن الإحساس بأن السياسي وكتلته لا تهمهما سوى مصالحهما الخاصة.
بسبب صدقية بعض الأخبار التي نشرت على الفيسبوك، اصبح المدون او الناشط العراقي يصدق كل ما ينشر، وهذا ما يعرفه جيدا خبراء جيوش الحرب النفسية الإلكترونية التي قد تكون تابعة لحزب او كتلة او تتبع طرفاً خارجياً، وقد يكونون هم أنفسهم الذين ينشرون بين فترة واخرى أخباراً صادقة لتتمكن من كسب الثقة، ويبدو انها نجحت. جميعا نتذكر الإشاعة الخاصة بانهيار سد الموصل الذي سيتسبب بغرق ٤ملايين عراقي وتدمير المدن الواقعة على نهر دجلة دماراً شاملاً او جزئياً، ومهما حاولت الحكومة إيضاح الأمر ونفي الأخبار، كانت الإشاعة تستمر وبمعلومات كاذبة جديدة.
فيما بعد، ومع بدء عمليات تحرير نينوى، كان من السهولة جدا ان نربط تلك الإشاعة مع التحضير للعمليات العسكرية. دائما هناك من يعمل على استمرار بقاء العراق بهذه الفوضى ومن يعمل على جر العراق للأسوأ، واخشى ان اقول بأنهم ينجحون احيانا بسبب ضعف الرقابة الإلكترونية. في دول مستقرة مثل أوروبا وفي دول عربية لا تواجه المشاكل التي نواجهها مثل تونس ومصر والإمارات، هناك أجهزة أمنية خاصة تراقب جميع مواقع الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي بعد ان لمست تأثيرها التدميري مع اندلاع ما يسمى بالربيع العربي.
كتبنا سابقاً ونكرر: استقرار العراق بحاجة الى جهاز أمني خاص بالمواقع الإلكترونية على ان لا تعتدي او تتجاوز على حرية التعبير والنشر والحريات الشخصية، ومن المستحيل أن يكون نشر الإشاعة حرية شخصية او حرية تعبير، مهما كان صاحب الإشاعة او أفراد الجيوش الإلكترونية يختبئون خلف اسماء وهمية او عناوين منظمات او جهات كاذبة، ومهما كانت المعلومات التي أرسلوها الى ادارة الفيسبوك لفتح الصفحة ان كانت خاصة او عامة، ممكن جدا معرفة من وراءها وكشفهم وإيقاف صفحاتهم وإحالتهم الى القضاء. إن استمرار هذه الجيوش بحربها النفسية التي تستهدف العراقيين الذين يبدأون، بدورهم، بمهاجمة الحكومة معناه استمرار هذه الفوضى.