الانتخابات العراقية.. أوراقُ أملٍ في صندوقِ مستقبل

بشير الأعرجي – تصوير: صباح الإمارة /

أوفت الحكومة بتعهداتها في إجراء انتخابات نيابية مبكرة في العاشر في من تشرين الأول، وانتهت هذه الممارسة الديمقراطية بنجاح، في ظرف استثنائي راهن العراقيون على تجاوزه، أملاً بأن تكون أوراق الاقتراع طريقاً حقيقياً نحو مستقبل يصنعونه بأيديهم.
إجراءات..
اللافت في انتخابات 2021 أنها، إضافة إلى نجاح الإجراءات الأمنية بدون أي خرق، فإن القوات الأمنية لم تفرض حظراً للتجوال، وسارت الحياة بشكل طبيعي، باعتبار أن الانتخابات أصبحت جزءاً من حياة العراقيين، وليست ممارسة طارئة تقطّع أوصال الشوارع والمدن بكتل كونكريتية وأسلاك شائكة تجعل المواطنين حبيسي منازلهم، وكأن الانتخابات سبب في عزلتهم.
حرية الحركة والتعاون الأمني سهّلا تنقل المواطنين، ولاسيما الإعلاميين الذين نقلوا صوراً ومشاهدات حيّة لسير العملية الانتخابية في أكثر من مركز انتخابي، وكانوا شهوداً على ما جرى منذ صبيحة العاشر من تشرين الأول وحتى مساء ذلك اليوم.
بالقرب من أحد مراكز الانتخابات في الدائرة 12 ببغداد، تستقبل مجموعة من القوات الأمنية الناخبين، ويرشدونهم إلى موقع الاقتراع، وهناك أيضاً مجموعة أخرى تأخذ على عاتقها عمليات التفتيش والإرشاد وصولاً إلى موظفي الاقتراع، حيث تنتهي مهمتهم الأمنية.
تحدث لـ “الشبكة العراقية” ضابط استخبارات الفوج المكلف بحماية هذا المركز الانتخابي النقيب سلام يعقوب، وقال: “خطة تأمين المراكز الانتخابية تركزت على توزيع ثلاثة أطواق أمنية، الطوق الخارجي بمسؤولية الشرطة الاتحادية، ومن ثم شرطة النجدة، وأخيراً داخل المواقع ضمن مسؤولية منتسبي حماية المنشآت.” واضاف: “هذه الأطواق عملت، وبحسب الواجبات المكلفة بها، على تأمين الانتخابات وخلق أجواء تسهم في طمأنة الناخبين وحمايتهم من أية اعتداءات لإنجاح العملية الانتخابية، وقد أدت واجبها بكل مهنية وبدون خروقات.”
الملاحظ أيضاً أن القوات الأمنية قامت بتأمين المراكز الانتخابية في جميع المدن العراقية قبل موعد التصويت بثلاثة أيام، وهذه هي أول انتخابات لا تشهد خروقات أو اعتداءات من قبل الجماعات الإرهابية التي تحاول منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بقوة التهديد والتفجير.
كورونا.. الحاضر الغائب
وللمرة الأولى، أيضاً، يتزامن إجراء الانتخابات مع حلول ضيف ثقيل جداً، وهو فيروس كورونا الذي تزداد مؤشرات خطره في التجمعات البشرية، لكن تم اتخاذ اللازم بصدد الوقاية منه في هذه الانتخابات.
في باب أحد المراكز الانتخابية، غربي بغداد، تواجدت مفرزة طبية تابعة لدائرة صحة بغداد الكرخ (قطاع حي العامل)، وتحدث المعاون الطبي جمعة سلمان فرج لـ “الشبكة العراقية” قائلاً: “تواجد المفارز الطبية في مراكز الانتخابات بعموم العراق مهم جداً، إذ إن الهدف هو ضمان التزام الناخبين بلبس الكمامات والتباعد الاجتماعي خلال الاقتراع، وهما من أساسيات الوقاية من فيروس كورونا.” أضاف: “دائماً كنا في الخط الأول لمواجهة خطر كورونا، واليوم نعمل مع موظفي الانتخابات على ضمان مستقبل وحياة العراقيين عبر إنجاح الانتخابات من جهة، والعمل للقضاء على هذا الفيروس القاتل من جهة أخرى.. مسؤوليتنا كبيرة، لكنها عظيمة.”
إصرار
قصص سعي المواطنين نحو الانتخابات كثيرة جداً، تبين مدى الإصرار على إحداث تغيير إيجابي عبر صناديق الاقتراع، غير أن حضور الأطفال في جميع مراكز الانتخابات وتلوين أصابعهم بالحبر البنفسجي، سيكون رسالة بأن الحاضر لنا والمستقبل لهم.
فلاح حسن موبالله، مدير محطة رقم 3 في أحد مراكز الانتخابات بمنطقة الشواكة ببغداد، تحدث لـ “الشبكة العراقية” عن أن “نسبة مشاركة النساء في مركزه أكثر من الرجال بحدود 60%، وهي إشارة إلى تعمّق فكرة الانتخابات لدى جميع المواطنين وعدم الاتكال على فئة الرجال في تحمل هذه المسؤولية.” وأضاف: “بعض النساء كنّ كبيرات في السن، إحداهن تجاوزت الثمانين من العمر وحضرت على كرسي متحرك، وصادف أن محطتها الانتخابية (رقم 7) في الطابق الثاني، لكنها استطاعت الوصول إلى صندوق الاقتراع عبر حملها من قبل الشباب العاملين في مفوضية الانتخابات.”
تحدثنا إلى هذه المرأة المسنّة، وكانت برفقة عدد من أقاربها، فقالت: “مشاركتي في الانتخابات هي لمستقبل الشباب وتحقيق شيء وأنا في نهاية عمري أرى المستقبل بعيون أولادي وأحفادي، هم يستحقون الأفضل وأنا أسهم بذلك.” وأضافت: “مررنا بظروف سياسية وأمنية واقتصادية صعبة منذ عقود، نريد ضمان عدم تكرارها عبر انتخاب الأفضل والاكفأ.. مقاطعتنا الانتخابات لن تحقق أي تغيير، لذا جئت وانتخبت.”
أجهزة التصويت
صادف أن تشهد بعض مراكز الاقتراع توقفاً في أجهزة التصويت الإلكترونية، عزتها مفوضية الانتخابات إلى أخطاء بشرية في الاستخدام، لكن هذا التوقف -من وجهة نظر أخرى- سلط الضوء على حالة إيجابية للغاية، رواها د. محمد فلحي، مدير أحد المراكز الانتخابية شرقي بغداد، قال لـ “الشبكة العراقية”: “الأجهزة المستخدمة في التصويت في الانتخابات الحالية تختلف عن سابقتها، تدرب على تشغيلها موظفو مفوضية الانتخابات، لكن بعضها توقف، ويحتاج تبديلها بأجهزة أخرى إلى وضع (كود) من قبل مقر المفوضية ليتم تشغيلها، وهذا يأخذ وقتاً قد يمتد لساعات، وقد لاحظنا أن الكثير من المصوتين انتظروا بصبر لفترات طوال خارج مقار الاقتراع، فيما عاد آخرون إلى منازلهم وحضروا من جديد للإدلاء بأصواتهم.. هذا يدل على اصرار كبير على الانتخاب.” أضاف د. فلحي: “حضرت إلى المركز الانتخابي عوائل بأكملها وبكل أجيالها من رجال ونساء وشيوخ وأحفاد، وقد شجعنا كثيراً دخول الأطفال، لأن حضورهم إلى تلك المراكز ومشاركتهم في العملية الديمقراطية سيشجع على الاهتمام بهذه الممارسة مستقبلاً، ويزيد من وعيهم وتمسكهم بالحق الديمقراطي والمشاركة في صنع القرار السياسي.”
استحقاق..
السؤال الأهم: ماذا يريد العراقيون من مجلس النواب المقبل؟ وكيف يتم تجاوز الإخفاقات السابقة، ولاسيما الذي يتعلق بملف مكافحة الفساد؟
الناشط في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين موسى تحدث لـ “الشبكة العراقية” قائلاً: “هذه الانتخابات تأتي بعد مرحلتين مهمتين في تاريخ العراق، وهي مرحلة ما بعد تحرير البلاد من داعش، إضافة إلى مرحلة التظاهرات المطلبية للشباب التي أدت إلى تقديم موعد الانتخابات.” أضاف: “ننتظر بعد أن تم إعلان أسماء الفائزين بالمقاعد النيابية تشكيل حكومة تلبي أهم مطلب، وهو مكافحة الفساد، واتخاذ التدابير الوقائية والمساءلة والمحاسبة وعدم حماية الفاسدين وإفلاتهم من العقاب.. عملية مكافحة الفساد هي الأهم في المرحلة المقبلة، ويجب معها إعادة تأسيس منظومات رقابية استباقية سبق أن ألغاها البرلمان السابق، وأدى إلغاؤها إلى تفاقم الفساد والرشا وعدم تنفيذ العقود والمشتريات الحكومية بشكل دقيق، ما أدى إلى هدر في المال العام، وفق ما جاء في تقارير الرقابة المالية.”
الاستثمار في الشباب
ومع انتهاء الانتخابات بنجاح، باختيار الناخبين لممثليهم في البرلمان، يبقى أمام النواب الجدد، والحكومة التي ستنبثق عنها مهمة كبيرة، هي الاستثمار الحقيقي للشباب في بناء البلد. وبحسب الناشط سعيد ياسين موسى، فإن “نسبة الشباب في العراق تبلغ 67%، لذا فإنهم طاقة تحتاج إلى إدارة حقيقية تؤمن بهم وتجعل الغد واعداً.” أضاف: “نعم، بالإمكان التغيير نحو الأفضل، وهو ما نعمل لأجله.. الممارسة الديمقراطية تمت بنجاح، اخترنا مستقبلنا بأصوات ذهبت إلى صناديق الاقتراع، وننتظر تحقيق وعود ما قبل الانتخابات، عندها سيكون الوضع في العراق مشرقاً وبذرة الانتخابات قد أتت بثمارها.”