التنوّعُ قوّة

مجلة الشبكة/

حين قررنا أن نفتح ملف (نحن العراق) في مجلة (الشبكة العراقية)، فإننا سنسلط الضوء على التنوّع الثقافي (الإثني والديني والمذهبي) في العراق، ونحاول أن نعمل معاً لأجل أن يتم التوقف باستخدام مصطلح (مكوّنات) الذي تسبب في خلق هوة بين العراقيين الذين حولهم الى تجمعات أظهرت انتماءها الى (المكوّن) قبل الانتماء الى العراقما خلق هذه الفوضى والمشاكل التي يمر بها العراق، وكان أساساً للمحاصصة المقيتة التي وضعت، غالباً وليس مطلقاً، الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، ما خلق هذه المرة كل هذه الفوضى الإدارية والبطالة المقنّعة التي أتخمت الدوائر بموظفين يستنزفون ميزانية الدولة التشغيلية دون أي إنتاج ملموس.

باختصار، فإن مصطلح (مكوّنات او مكوّن) يضعف المجتمع، أي مجتمع، بينما مصطلح (التنوّع) يمنح ثراءً. بدءاً لا توجد دولة في العالم، مهما كان حجمها، تضم عرقاً واحداً او ديناً واحداً او مذهباً واحداً، فقد جعلت الظروف المناخية و البحث عن مصادر المياه والأكل، البشر منذ الخليقة يتخذون كل بقعة على الأرض مسكناً. ومع موجات الهجرات المتعاقبة، خاصة بعد التحول الى الزراعة وبناء اولى المستوطنات المستقرة، كونت المجاميع البشرية المختلفة الأعراق من المستوطنة التي انشأوها مجتمعاً بعادات وتقاليد اساسها ثقافة كل مجموعة بشرية لتميز فيما بعد هذا المجتمع المتعدد عن غيره من مجتمعات متعددة ايضاً. وكلما كثر تنوع مجتع ما، اصبحت ثقافته متميزة جدا بسبب إرثه الثقافي المتعدد والمتأتي من تلاقح ثقافات متعددة. هذا الإرث الثقافي يصطلح عليه بـ”التنوّع الثقافي”، ويعتبر سمة مميزة للمجتمعات البشرية.

العراق بلد ثري جداً بتنوعه العرقي والديني والمذهبي، هذا التنوع الذي جعل منه مهد الحضارات في التاريخ ودفعه الى ابتكار اول حرف، وأول عجلة في التاريخ، ذلك الحرف وتلك العجلة اللذان يعتبران أساساً لكل التقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم، ولم يكن تنوعه هذا سبباً للاختلاف والتناحر على حقوق ومكتسبات، والعمل على تقسيم العراق، إن لم يكن على الخارطة والأرض، ففي الواقع والإعلام، ولابد أن لا ننسى أبداً أن الاختلاف الذي جاء به مصطلح (المكوّنات والمحاصصة) كان سبباً في الحرب الطائفية الموجعة التي أوقفها العراقي بدمه.

في الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، نقرأ انه “يشكّل قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً. من هنا، يُعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحدّ من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.”

في نظرة الى الاستقرار الأوروبي ومدى احترام حقوق الانسان في الدول الأوروبية خاصة، سنجد أن احترامها للتنوع سواء في الأعراق الأوروبية أو من أعراق المهاجرين إليها، كان سبباً في التنمية البشرية والرفاهية والتقدم. إن “الإلتزام بالتعددية” يعني التسامح وقبول الآخر واحترامه، ولا نتمنى أن ندفن رؤوسنا بالرمال وننفي التوترات والمشاكل التي خلقتها (المكوّنات والمحاصصة) ومن استغلها لمصالح فئوية او كتلوية سياسية ما أضر كثيراً بالتنمية البشرية في العراق، ولم نلمس منها أية خطة حقيقية نحو الاستدامة البشرية.

(نحن العراق)، يشير الى هذا التنوّع، وفي كل عدد، مضى وسيأتي، فيه ملف عن عناصر هذا التنوع الثقافي ومدى مساهمتها في الإرث الثقافي العراقي من جهة، واختلاط دمائها معاً حين الدفاع عن العراق. وكما أسلفنا، فإنها محاولة لإظهار قوة التنوّع وضعف المكوّنات. ونحن العراق بتنوعنا الذي أثمر عن ثقافة متميزة جداً لابد وأن نعود للتمسك بها لنعود شعباً متنوعاً دون إشارة الى عرق او دين او طائفة.