كتابة: ذوالفقار يوسف /
هناك في صحوة الليل الأولى، تألقت النسمات الذهبية، لتعطي إحدى ملكات بلاد الرافدين رداءً لكسر شرنقتها، ركض فيه تفجر الكون، فتشظت فوق هذا الرداء ألف زهرة وزهرة، لم تكن قد اختبأت تحت العشب مرة واحدة. ركضت في طرقاته النضرة حكايات الألوان بفرح مقدّس، وامتزج بهذه النزوة التي اجتاحت زرقة الطقس خيط بديع من الزمرد، ليخلق عيداً مليئاً بالسحر. وقد أعطى الشريط المائي الطويل الذي ينساب في الشمس لهذا الرداء اسم: الهاشمي.
قيل إن الالوان قد تحررت عند الحد الفاصل بين الفرح والحزن، مكوّنة رداء الهاشمي، الذي ميز المرأة العراقية بالهيبة والجمال، كان قد صنع من قماش خفيف جداً اتسعت أكمامه وأطرافه، يبدو لونه لأول وهلة بأنه شفاف، رغم اندماجه بباقي الألوان، وقاعدته التي اتشحت بسواد الليل، تألق فيه الجمال ليزينه بزخارف نباتية ورقية، اكتسحتها ألوان من الذهب والفضة.
سومر أم هاشم
تشير أغلب المصادر إلى أن أصل جذور رداء الهاشمي يرجع إلى العصور السومرية. فقد ارتبط بالصيادين آنذاك لتشابهه مع شبكة الصيد، حيث كانوا يرتدونه عند الرقص، أو عند تغطية وجوههم به عند الحزن. فوجه الشبه هنا هي الفراغات المتواجدة في كل من رداء الهاشمي وشبكة الصيد في ذلك العصر.
أما المرجح في تسميته، حسب بعض المصادر، بأنها متأتية من كونه من ثياب نسوة بني هاشم الخاص بهن، فقد كان من الثياب الغالية الثمن في العصر العباسي، حيث كانت تعرف من ترتديه من النساء بأنها ذات أصل وجاهٍ عند العرب آنذاك.
زي تراثي
تفنن أمهر الحرفيين في خياطة الهاشمي، ولأن خياطته تتطلب جهداً وإتقاناً ودقة بالعمل، صار هذا الرداء من التراث الفلكلوري الشعبي الذي يرتبط بتراث العراق.
وقد اشتهرت مناطق الخليج في صناعته، إلا أن الأصول الأولى لخياطيه هي من البصرة والنجف، وقد استخدم صنّاعه هناك أدق الالات والخيوط المتمثلة بخيوط الحرير الجذابة والملونة، حيث انتشر ارتداؤه في وسط العراق وجنوبه، وشاع أيضاً لبسه في أنحاء الوطن العربي وجنوب شرق آسيا، وقد انتقل من محافظة البصرة، التي هي المحافظة الأولى الحاضنة لهذا الرداء، إلى الكويت، ومن ثم إلى باقي دول الخليج، وقد قيل في روايات أخرى العكس.
رداء المناسبات
تحوّل هذا الرداء من لباس تقليدي، إلى رداء يلبس عند مناسبات الحزن أو الفرح، فالعديد من النساء يرتدين الهاشمي في الخطبة والأعراس والأعياد وفي حفلات الختان، وأيضاً تقوم بعض الأمهات بارتدائه والرقص به عند عودة أبنائهن وأخوتهن من الخدمة العسكرية، حيث يكون فيه الهاشمي ذا نقوش وزخارف جميلة، يتباهين به بمختلف الأعمار، ويكون فيه لون الرداء أحمر أو أبيض أو أخضر عند الفرح. أما الحزن فله نصيب في هذا الرداء كذلك، حيث يلبس في مناسبات الحزن لإظهار التعازي أو عند النواح على شخص ميت، حيث يكون لونه أسود تعبيرأ عن حجم المأساة والمصيبة.
رداء المباهاة
نلاحظ في بعض أغاني الخمسينات والستينات ارتداء العديد من الفنانات ومطربات العراق للزي الهاشمي، وخصوصاً في المناطق الريفية منه. فبحسب اعتقادهن بأنه الرداء الذي يمنح الفنانة هيبتتها ووقارها عند الصعود على المسرح، أو عند تصدر الحفل الذي يقمن بإحيائه، أمثال وحيدة خليل وساجدة عبيد وريم، إذ يعتبر من الأزياء الشعبية الذي تتباهى به المرأة العراقية أمام الجميعه.
صناعة الهاشمي
يُصنع هذه الزيّ التراثي من الحرير الطبيعي، وفي بعض الأحيان من الحرير الصناعي، كالشيفون والجورجيت الخفيف، ومن ثم يُزخرف ويُطرز بالعديد من الأشكال المتنوعة التي تضيف إلى جماله نقوشاً ملونة، وتكون من نفس الخيوط المصنوع منها الرداء، وأغلبها من مادة الكلبدون بمواضيع وأشكال من وريقات ذهبية اللون، حيث تكون نهاية خيوطه مطرزة باللون الأسود المشترك مع الخيوط الفضية، مكونة بذلك قاعدة الرداء، حيث تتدخل المواد المصنّع منها الهاشمي وطريقة التفصال والنقوش بتنوع هذا الرداء، وأيضاً بالنسبة لفتحة الرأس، ففي البصرة يوجد أكثر من أربعين نوعاً للهاشمي.
اما مدينة النجف الأشرف فقد تميزت بصنع النوع المسمى (الترجية) وهو نوع من الزخرفة الغالية الثمن التي يحتاج إلى صناعتها دقة وصعوبة في العمل، وبسبب ندرة وجودتها تستعير أغلب النساء هذا الزي في المناسبات، وأيضاً بسبب غلاء ثمنه خلال أيام الاعراس والمناسبات المفرحة، وحيث يزهو بلونه الأحمر، والأخضر، والأرجواني.