يوسف المحمداوي/
العراق زاخر بالمدن الموغلة جذورها بعمق التأريخ وكل مدينة تحمل ملامحها مايميزها عن الأخرى، بتكوينها الجغرافي وارثها الحضاري ونسيجها المجتمعي ورموزها التي تجعلها في موضع تباه وافتخار، ومن تلك المدن قضاء علي الغربي التابع لمحافظة ميسان والذي يبعد عنها (110)كم، بينما يبعد عن الحدود الايرانية (27)كم،
وهذا الموقع وقربها من تلك الحدود جعلها عرضة للعديد من الكوارث الطبيعية كالزلازل والسيول، وكذلك الى التصفيات والتهجير القسري من قبل النظام الديكتاتوري السابق، بعد أن بدأ منذ العام 1972م بتهجير الآلاف من أبناء تلك المنطقة واسقاط الجنسية العراقية عنهم تحت ذريعة التبعية الايرانية، بالرغم من كونهم عراقيو المنبع والرافد.
من علي الغربي
سميت بعلي الغربي نسبة الى القائد أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن محمد بن عبد الله جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو من قاد ثورة الزنج أيام الخليفة العباسي المتوكل، وسمي أيضا بالغرابي ومرقده يبعد على مسافة كيلو متر واحد عن مركز القضاء متوسدا ضفة دجلة، ويقصد مزاره العديد من الزوار من مختلف مدن العراق والعالم الاسلامي ولابد من الاشارة الى أن تسميته علي الغربي جاءت من أجل التمييز بينه وبين علي الشرقي والذي اسمه الأصل هو علي الشجري والذي يبعد عن علي الغربي حوالي 40 كم باتجاه مدينة العمارة والذي بدوره أي علي الشرقي الفاصل المسافي بينه وبين منطقة الكميت 20كم قبل الوصول الى مدينة العمارة ومنطقة الكميت نسبة الى الشاعر العربي الكبير الكميت الأسدي وكل هذه المدن اخذت أسماءها من رموز سكنتها، وكانت قديما تسمى بالمنصورة ومؤسسها هو الحجاج بن يوسف الثققي، وتوجد أماكن أثرية تعود إلى تلك الحقبة التأريخية منها فم الصلح وفليفلة والصروط ونهر المبروك ونهر كليب
المدينة والكوارث الطبيعية
يقع القضاء إلى الشمال الشرقي من مدينة العمارة حيث امتداد سلسلة جبال حمرين وتحديدا جبال (بشتكو) الوعرة كما أنه يتوسط المسافة تماما بين بغداد والبصرة ويمر الطريق الرئيس الرابط بين المحافظات الجنوبية (البصرة-عمارة-كوت)من الجانب الايسر منه، اما المدينة القديمة فهي تقع على الجهة اليمنى (الغربية) من نهر دجله حالها حال المدن المجاورة اتخذت من نهر دجلة درعا للوقاية من السيول الجارفة التي تنزل من جبال بشتكو القريبة والتي تجرف أمامها ما تجده، فذهب الكثير من الرعاة وأغنامهم لعدم تحسبهم من غدر هذا السيل الجارف، وماحدث في هذه المدينة من سيول قادمة من ايران عام 2013 إلا دليلا على حجم تلك الكوارث ناهيك عن الزلازل المتكررة فيها، وسكن المدينة العراقيون القدماء بمختلف مشاربهم ومناحلهم منهم اليهود والصابئة والاكراد الفيلية والعربستان إضافة إلى القبائل والعشائرالعربية. وهذا الخليط المتجانس من القوميات والأعراق أدى إلى بروز واقع علمي وثقافي وظهور شخصيات لامعة في مجتمع المدينة، تعرضت هذه البلدة إلى هجوم شرس من قبل نظام البعث السابق أدى إلى تسفير ومصادرة أموال الكثير من أبناء هذه البلدة وعلى دفعتين الأولى سنة 1972 والثانيه الأكبر عام 1980 أدى إلى تخلخل النظام الاجتماعي هناك فمن لم يشملهم التسفير فروا إلى مدن أخرى ليضيعوا أنفسهم هناك من جرائم البعث الموجهة لهم.
حفل زفاف المأمون
منطقة علي الغربي قديما كانت تسمى بأرض السواد لوفرة نعمها وتعدد مواردها من أشجار ومزارع وثروة حيوانية، وهذا ما جعلها موضع اهتمام من قبل خلفاء بني العباس، وفي سبيل المثال أن الخليفة هارون الرشيد جعل الوارد من أموال تلك المدينة وقفا لزوجته زبيدة، وولده المأمون حين اراد الزواج من بوران بنت الحسن بن سهل اقام حفلة زفافه المشهورة في هذه المدينة لما تتمتع به من أجواء منعشة وطبيعة خلابة، وحتى في العصر الحديث حين حاولت الأسرة المالكة عام 1953م استرضاء شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، قامت بتخصيص قطعة زراعية كبيرة في تلك المدينة، وبالفعل سكنها الشاعر وهناك وبالتحديد في منطقة الكبسون كتب رائعته»يا أم عوف عجيبات ليالينا…. يُدنين اهواءنا القصوى ويدنينا…. يدفن شهد ابتسام في مراشفنا … عذباً بعلقم دمع في مآقينا…. ويقترحن علينا أن نجرّعه … كالسم يجرعه «سقراطُ» توطينا… يا أم عوف وما يدريك ما خبأت … لنا المقادير من عقبى ويُدرينا»، و»ام عوف « هي المرأة التي ضيّفت الجواهري مع الوفد المرافق له في بداية وصوله لعلي الغربي ،واسمها «زنوبة حواس زبون « وعوف هو ولدها البكر، الى ذلك يبين ستار جبر موسى البخاتي باحث وأكاديمي، ويعد أحد مؤرخي قضاء علي الغربي، إن مجيء الجواهري إلى المدينة كان بمثابة إبعاد مع استرضاء من قبل السلطة آنذاك، وذلك بعد قصائده التي هاجم بها الوضع السياسي القائم آنذاك، أو من خلال صحفه كالرأي العام والانقلاب اللتين تعرضتا للغلق عدة مرات من قبل الحكومات المتعاقبة على السلطة في العهد الملكي.
مركز الشيوخ والفن
المؤرخ عبد الله الجبوري يشير في كتابه عن الجواهري الى أنه بعد قصيدته التي ألقاها بمناسبة تتويج الملك تم تكريم الجواهري وذلك بإعطائه قطعة أرض زراعية في منطقة علي الغربي، مساحتها (4000) دونم وتقع على الجانب الأيمن من نهر دجلة وتسمى المنطقة بالكبسون وهي مقتطعة من أرض حنين أبو ريشة أحد مشايخ بني لام، وأصدرت وزارتا الداخلية والري كتابا رسميا بتزويده بمضختي ماء لسقي الأرض كما يقول البخاتي
وكان وصول الجواهري للمنطقة عام 1953، حيث وجد المناخ الملائم لبقائه وهو المعروف عنه عدم الاستقرار في مكان محدد لمدة طويلة، فريف علي الغربي في ذلك الوقت زاخر بالشعر الشعبي، وكان حين يسمع شعراء علي الغربي الشعبيين يقول الشعر الشعبي ترجمان القريض، وفيها تزوج بفتاة من عشيرة البود راج، لكنه ولأسباب وضغوط عائلية كما تشير المصادر طلقها بعد عام ، ولايزال الخط الكهربائي الناقل من المحطة الكهربائية الى تلك القرى يطلق عليه»خط الجواهري»،المدينة سكنها العديد من شيوخ العشائر كعبد الكريم الجوي وقمندار الفهد ومحسن الدنبوس وبلال الجلبي وبيت العلاق والسادة البخات وغيرهم، ومن المدينة أيضا الفنانان سعدون جابر وقحطان العطار واللاعب الدولي مهدي عبد الصاحب.