هولندا / آمنة عبد النبي/
لا تزال هويّة الشابّة ذات القرط اللؤلؤي لغزاً تراثياً وفنياً مُحيراً، ولاسيما حينما تنظر إليك بطرفها الغامض وتهمس بعينيها الحائرتين دون صوتٍ، باعتبارها إحدى أشهر اللوحات المثيرة للغرابة في العالم. علماً بأن هذه التحفة الفنية التي خرجت الى العالم من داخل غاليري الرسام الهولندي (يوهانس فيرمير)، تدهشنا بنظرةٍ غامضة مع ربطة زرقاء مطعمة بالأصفر ملفوفة حول شعرها وأذنيها اللتين يتدلى منهما قرط من اللؤلؤ، تُشعرك وكأن يوهانس أراد صنع موناليزا بعبقٍ شرقيّ لتنافس غريمتها الأصلية.
جولة في متحف موريتشويس -موطنها الأصلي- المبني بالطراز الكلاسيكي الهولندي، الذي يعرف أيضاً بمتحف الخزانة الملكية الهولندية، وهو من أكبر المتاحف في مدينة لاهاي التي تضم موناليزا الشمال وتهتم بحفظ التراث الفني المعتق، حيث يضم أكثر من ثمانمئة لوحة لكبار الفنانين، أمثال يوهانس ولوحته الغامضة.
شطر هوية الخواجة
الفنان التشكيلي والكاتب (راجي الزهيري) المُقيم في امستردام، عبّر عن ثنائية الجمال الجدلي ما بين اللوحة وسر هويتها التنافسية، قائلاً:
“أنا مُغرم بزيارة هذا المتحف، وبرأيي فإن يوهانس أراد من رسم هذه اللوحة الغامضة أن يخلق موناليزا هولندية تنافس الأولى، لكن بطعمٍ شرقي ليعطيها بذلك هويّة فنية خاصة، وإلّا ما سر هذا الدمج الفني في (الهرمونيا)؟ لأننا نلاحظ بوضوح وصراحة أنه دمج الملابس الشرقية بملامح غربية ليفتت هويّة الخواجة، علماً بأنه لم تكن الفتيات الغربيات في تلك الفترة يعلمن شيئاً عن لبس الشرق وتفاصيله، ولاسيما جزئية اللآلئ الثمينة التي يكون الحصول عليها من محار البحر الكبيرة، وجميعنا نعلم بأن أكبر مركز للآلئ الطبيعية في العالم هو في الخليج العربي، الأمر لا يخلو من قصدية”.
تعبيرات جمالية غامضة
من جانبها، المخرجة المُقيمة في هولندا (بشائر عباس)، التي اعتادت زيارة المتحف والتزود من تراثه، قالت بوضوح:
“بصراحة فإن متحف موريتشويس يعد مكاناً مميزاً لعشاق الفن والتشبع بذائقة التحف الفنية التراثية، ولاسيما عشاق اللوحات الكلاسيكية التي يعود زمنها الى القرون القديمة، التي تصور الحياة والطبيعة والتاريخ الهولندي، وأبرزها لوحة موناليزا الشمال التي تمثل وجه فتاة صغيرة ترتدي قرطاً من اللؤلؤ في أذنها اليسرى، تُعرف هذه اللوحة باسم (موناليزا الشمال) بسبب التعبير الغامض والساحر على وجه الفتاة.”
لوحة ملهمة للفنون
أما السائح القادم من السويد الى أمستردام (عدنان المهداوي)، فقد قال بغرابة:
“المدهش في سر هذه اللوحة التي تعتبر هوية المتحف، أنها لم تقتصر على كونها تحفة فنية يقصدها المهتمون بالفن من كل مكان لمعرفة أسرارها، لكن فكرتها تحولت الى رواية حيث كتبت (تريسي شيفيلير) رواية مستوحاة من اللوحة ذاتها، كما تحولت الرواية الى فيلم ومسرحية يحملان نفس الاسم أيضاً، علماً بأن الفيلم كان من بطولة (سكارليت جوهانسون) بدور الفتاة الخادمة (غريت)، و(كولين فيرث) بدور الفنان (فيرمر).