مـنـحـوتــات علي نوري تحاور بغداد

زياد جسام

الفنان علي نوري، نحات عراقي، حفر للمراحل المختلفة في حياته الإبداعية ومعارضة الدورية أساساً متيناً، ورفد الحركة التشكيلية العراقية بالنحت المعاصر، مركّزاً في نتاجاته على خامة الكرانيت، التي تعد تحدياً صعباً أمام النحات، كونها تحتاج إلى عمل مرهق، وتتطلب وقتاً ومجهوداً بدنياً وذهنياً لإنجازها.

بعد أكثر من عشرين عاماً من معرضه الأخير (السرداب) في بغداد، قدم الفنان على نورى.. المقيم في مصر، معرضه النحتي الجديد (حوار في بغداد)، برزت فيه قدرته الفائقة على التفنن بخامة الكرانيت، مؤكداً رغبته في نقل التجربة التي تعلم أسرارها من المصريين، إذ سبق له أن أقام معارض في القاهرة، كلها منحوتات على مادة الكرانيت، التي استهوته وأبدع في انتاج نماذج كبيرة الحجم منها، مدروسة بعناية، علماً بأن مادة الكرانيت من الخامات القاسية والصعبة جداً لأنها لا تتحمل الخطأ.. معرض (حوار مع بغداد) اشتمل على 15 عملاً فنياً من خامة الكرانيت، وقطعتين من البرونز بأحجام كبيرة.
صراع إنساني
تركزت أفكار المعرض -على حد تعبير الفنان- على محاكاة الوضع الراهن في العراق، وما يعيشه من صراعات سياسية واقتصادية وغيرها. وبالمقابل الصراع الإنساني الذي يعيشه الفرد العراقي. إزاء كل هذه الضغوط، اشتغل الفنان نوري وتحمل معاناة كبيرة كي يتم إنجازه، لكونه اختار حجر الكرانيت خامة لأعماله، وهو عبارة عن كتل كبيرة ثقيلة يصعب نقلها والتحكم بها. وبرغم كل هذا أصر على إنجازها وعرضها في بغداد، لأنه ابتعد لأكثر من 20 عاماً عنها، بسبب الظروف التي أحاطت البلد آنذاك، واعتبرت تجربته هذه الأولى التي يعرض من خلالها أعمالاً نحتية بالكرانيت في العراق، وكأنه يتحاور مع بغداد عبرها ويتساءل “ترى هل مازلتِ بخير يا بغداد؟ هل قصرت معك حين هجرتك؟”.. إلى آخره.
مخاطبة العقل
الفنان نوري نحات متمرس، يدرك أن فن النحت هو مخاطبة حقيقية للواقع، إذ إن الفنان ينتج شكلاً ثلاثي الأبعاد في الفراغ، وبالتالي إما أن تتقبل العين هذا الشكل أو ترفضه، وإما أن ينتج عملاً مهماً يتواصل المتلقي معه روحياً، أو أن ينتج الفنان عملاً مجرداً من الروح تماماً، لا يثير أي جدل، غير قادر على إقامة حوار مع المتلقي. من خلال تقديم معرض (حوار في بغداد) تحققت العلاقة الفعلية ما بين العمل الفني والجمهور، وهي علاقة تشكيل قادرة على جذب الآخرين داخل المحيط الموجود.
طاقة التعبير
تجاوزت أعمال الفنان علي نوري المألوف، وأعادت إلى ذاكرتنا أعمال الفنان (مايكل أنجلو)، وغيره من الفنانين الذين أجادوا النحت على خامة الكرانيت تحديداً. كما أن مقدرة علي نوري على الحجر والرخام واضحة في أعماله الكثيرة، أو في معرضه الذي جاء به إلى صالة (ذا كالري) الواسعة، التي ملأها بأعماله النحتية المبهرة، المحملة بحركة وحيوية وتوترات في غاية الدهشة، أثبت من خلالها أن الكرانيت مادة نبيلة، فيها طاقات كبيرة للتعبير عن كل ما هو جميل في الطبيعة.
لا شك في أن التراكم المعرفي والعملي والمخزون لدى الفنان نوري، والخبرات والممارسة المكثفة في البحث والتجريب، جعلت منه نحاتاً يجيد لغة النحت التشكيلية وتقنياتها، ولديه القدرة الكبيرة في تنفيذ أعماله على الخامات، مهما كانت صعبة.. ومن يمتلك كل هذه القدرات يستطع تحويل الجماد إلى موضوعات جميلة.