من أغاني الموصل الشعبية فند الجارة التي أخذت الحبيب للساحر وحكاية قضيب البان

باسم عبد الحميد حمودي /

يشي العنوان بخلط حالتين غنائيتين واجتماعيتين كان مجتمع الموصل الحدباء لا ينساهما في أية مناسبة سعيدة رغم الاختلاف التفصيلي في حال الزوجة المرحة السعيدة.. كما نرجو دوماً, وحالة الحبيبة التي خُطف منها الحبيب.
عفاكي.. أيتها الجارة
ومن أشهر أغاني الموصل الشعبية الأصيلة أغنية (عفاكي عفاكي على فند العملتينو), ويقول مؤرخو الأغنية الشعبية الموصلية أن أغاني الموصل التي تردد دوماً مأخوذة من ثلاث مناطق؛ هي ماردين وبعشيقة والموصل ذاتها.
من أغاني ماردين أغنيتا (سعادو ما ماتت) و(محبوبة قلبي) ومن أغاني منطقة بعشيقة التي يرددها مسيحيو الموصل أغاني (ويلي ويلي) و(زعلانه ليش) و(ولي داده), أما أغاني الموصل الشعبية التي تردد في الأفراح والأعياد فكثيرة منها: ياقضيب البان – يا سماق – قبل سنتين خطبني- البامكي- عفاكي.
وقد وجدت أن من أشهر أغاني الموصل التي غناها مطربو المقام في بغداد أغنية (عفاكي) التي أداها أبو حميد، رشيد القندرجي، (1894-1945) بتخت عزوري، وغناها منشد المقام الشهير يوسف عمر مراراً وسط الجوق البغدادي, وكذلك أداها المطربون حسن خيوكة ومحمد زكي ووسيم اسكندر وعبد المسيح حبيب، كما اشتهر بأدائها مطرب المقام صالح الكويتي.
تحكي الأغنية التي لا يُعرف مؤلفها عذابات الفتاة التي خطفت جارتُها خطيبَها منها وتقول لها معاتبة :
عفاكي عفاكي على فند العملتينو
أنا تعبتو وانا شقيتو على الحاضر أخذتينو
و(الفند) هي الخطة أو اللعبة التي ابتدعتها الجارة لخطف الحبيب وهي تقول لها:

شفتي ولد عالكيف
توسلتي بابو يوسف
سهرتيلو ليالي الصيف
عيّارة شلون أخذتينو
ثم تكشف سر ذلك التعلق فتنشد :
شفتينو ابن تجار
حميتيلو الماي الحار
وديتينو عند السحار
سحرتيلو وأخذتينو
وهي بذلك تكشف سر تلك القرصنة منزعجة وسط غناء البنات ومرحهن, تسحرهن موسيقى تلك الأغنية المرحة رغم الآم الحبيبة التي خسرت الحبيب جراء (فند) الخاطفة.

يا قضيب البان احفظلي حبيبي
أغنية (يا قضيب البان) تغنى أيضاً وسط احتفالات نسوية في مناسبات الخطبة والزفاف والحنّة, وقبل أن نقف عند ملامح هذه الأغنية الشهيرة لابد لنا من الإشارة إلى الشيخ قضيب البان الذي تتوسل به منشدات الأغنية, فمن هو؟
الشيخ قضيب البان هو أبو عبد الله الحسين بن يحيى الحسني، وهو من أحفاد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام, وعاش (102) مئة وعامين هجريين بين471 إلى573 للهجرة وتزوج واحدة من بنات السيد عبد القادر الكيلاني.
وقد لقب السيد الحسين بن يحيى الحسني بلقب (قضيب البان) حتى طغى اللقب على اسمه شعبياً، لا لأنه كان جميلاً جداً, بل لكونه كان رشيق القوام بهيّ الطلعة مهيب الوجه مقامُه معروف في الموصل القديمة، وكان مسجده مقاماً على أرض منبسطة قرب باب سنجار تسمى أرض الصينية لانبساطها، حيث يأتي الناس إليها في الأعياد والمناسبات ومعهم أطعمة الموصل الشعبية اللذيذة, مثل الكشكا والمخلل والكبّة وسواها.
وكانت العادة عند الشابات المتزوجات حديثاً أن يبتعدن عن حمواتهن قليلاً مع صويحباتهن ليغنين أغنية (يا قضيب البان) الشهيرة التي تشكو فيها الزوجةُ حماتَها وتصف قدرتها على العمل والاستقلال عن جورها واستغلالها، في حين يقدم الشباب قبل الغداء وبعده الدبكة الموصلية الشهيرة قبيل العودة إلى المنزل, والكل قد اجتمع وغنى وطَعِمَ مسروراً في فناء حضرة الشيخ الجليل.. قضيب البان.

الأغنية
تقول بعض أبيات أغنية (يا قضيب البان)
يا قضيب البان احفظلي حبيبي
لأطبخ الكشكا وأغلق باب بيتي
والبيت الأول محوَّر للتخفيف من حنق الكنّة من حماتها والأصل أن تغني بداية:
يا قضيب البان ثكلني حماتي
لأطبخ الكشكا وأغلق باب بيتي
والحمي لمن تقوم بزعجتا
حنكا يغجف وتنحل بزمتا
وكلمة (ثكلني) دعوة على الحماة أن يأخذها الموت, وقد يظل (حنك) الما (يرجف) غضباً لانشراح الزوجة وصرفها على طعام (الكشكا) وسواها من أطعمة تصفها الأغنية الماكرة الساخرة من الحماة إذ يقول بعض أبياتها:

لأطبخ الكشكا وأقلي لحمتا
وأعمل الدولما وأكشغ قيمتا
وأبعج عيون الحمي ما ضوقتا
ولي مفجوعة كن جنيتي

وتستمر الأغنية المرحة في هجو الحماة ومدح الأطعمة التي صنعتها الزوجة الحسناء الشابة لزوجها وصويحباتها وجاءت بها إلى فضاء جامع قضيب البان المهيب لتقضي مع الأخريات وقتاً ممتعاً نتمنى أن يعود سعيداً مثلما كانت أعياد الموصل العامرة ومناسباتها.