مجلة الشبكة/
ليست هي المرة الأولى التي يتظاهر فيها أهلنا في البصرة، خاصة، التي شهدت تظاهرات سلمية منذ 2015 وفي الشهر نفسه، تموز، مع ارتفاع درجات الحرارة. لكن التظاهرات الأخيرة، ان قُرئت بشكل صحيح، هي باختصار تظاهرات شباب يبحثون عن فرصة للحياة الكريمة.
كان جواب الحكومة فورياً بتوفير 10 آلاف فرصة عمل. السؤال: لماذا لم يتم توفير هذه الفرص قبل التظاهرات، التي استغلها نهازو الفرص واصحاب الأجندات (المندسون)، الذين بدوا منظمين و يعرفون تماما (اهدافهم) التي نفذوها بتخريب واضح ازاء عفوية المتظاهرين وسلميتهم ! لماذا لم تنفذ مشاريع تحلية المياه الا بعد التظاهرات الاخيرة؟ لماذا ننتظر الحريق، لنفكر بوسائل اطفائه؟ لماذا تأتي الاصلاحات متأخرة؟ مما لاشك فيه ان دورة مجلس النواب الاخيرة تتحمل بعض أسباب الحريق بسبب الاستجوابات الصورية التي انتهت، دائما، لصالح المسؤول والوزير المقصر، بينما كانت تستطيع، كجهة رقابية وتشريعية، ان تحل القضايا الشائكة منذ 2015 لولا المصالح الكتلوية التي كانت، وما تزال، احد الأسباب في عدم القضاء على الفساد.
قطعاً تتحمل الحكومة المحلية جزءاً من مسؤولية وصول الوضع الى ما هو عليه في البصرة، وللمثال وليس للحصر: التعاقد بمبالغ خيالية مع شركة تنظيف كويتية في وقت كان بمقدروها ان تقوم بتشغيل مئات العاطلين عن العمل في الأمور البلدية ومنها تنظيف المحافظة، وكان بمقدورها ايضا تشغيل مئات العاطلين الآخرين في معامل (إن أنشئت) لتدوير النفايات! والحال نفسه ينطبق على الحكومات المحلية، ليس في المحافظات التي شهدت التظاهرات فقط، انما في كافة محافظات العراق.
إن كل ما حدث يؤشر خللاً آخر، مهماً ايضاً، وهو فشل المكاتب الصحفية والاعلامية التي تتبع إدارات أعضاء الحكومة في متابعة ما ينشر، اذ ان مئات المقالات والتحقيقات اشارت الى الأوضاع الصعبة التي ستؤدي الى ما لا تحمد عقباه، و استمر على ما هو عليه بل بشكل اسوأ احياناً ، بينما كانت المتابعة وتنبيه المسؤول خطوة لاتحاذ اجراءات ممكنة مثل التي اتحذت مؤخرا. ويؤشر خلل آخر في عمل المراكز البحثية، من بينها مراكز تتحمل الحكومة مصاريفها ومكافآت الباحثين والموظفين فيها، ومن واجبها ان تقوم بأبحاث ميدانية موثقة مهنياً وعلمياً عن كافة المتاعب، ومن بينها الخدمية و المعيشية وتقديمها مع مقترحات حلول للحكومة. كما تؤشر (قوة) الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، منصة الفيسبوك خاصة، التي عملت وتعمل على تضليل الرأي العام والرسمي والتي بالإمكان متابعتها وايقافها، لو كانت لدينا شرطة الكترونية، ولكانت هذه الإجراءات اسهل من قطع خدمة الإنترنت عن البلد كله والذي تسبب بخسائر مادية و توقف المصالح الرسمية والخاصة، ومن ثم اعادة الخدمة مع حجب مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الخطوة التي تم اختراقها والدخول الى هذه المواقع من خلال استخدام بعض التطبيقات على الأجهزة الذكية.
يؤشر ايضا حجم الإرهاب الإعلامي الموجّه الى العراق، خاصة من فضائيات عربية وعراقية خاصة، الذي كان سبباً لسنوات مضت في استمرار العنف، حاولت هذه الفضائيات ان تظهر ما يحدث وكأنها (ثورة) وليست تظاهرات تطالب بحقوق المواطن ومن بينها الحياة الكريمة، وتمكنت شبكة الإعلام العراقي من خلال تغطية التظاهرات واجراء الحوارات الشفافة والصريحة ان تضع النقاط على الحروف. ولابد من القول ان بعض المسؤولين كانوا على قدر الحدث و تعاملوا بشفافية مع التظاهرات وتمكنوا من الرد من خلال اللقاءات على الفضائيات التي وجهت لهم اسئلة تدس السم بالعسل.
بالتأكيد كنا في غنى عن كل هذه المؤشرات، لو تم الانتباه الى اداء الحكومات المحلية والوزارات الخدمية، خاصة وان كافة المسؤولين، بدءاً من السيد رئيس الوزراء، اكدوا على حق التظاهر السلمي وعبّروا عن تضامنهم مع المتظاهرين. مرة اخرى نتساءل: لماذا ننتظر الحريق، لنبحث عن وسائل لإطفائه، بينما من الممكن جدا منع حدوثه.