آية البهادلي/
لا غرابة أن يجلس ربّ البيت المنزعج في المقهى ويعمّر جمجمته بالنرگيلة لساعات طويلة من النهار، ولم يعد من المستحيل ان تنهي أُم العيّال حلقات مسلسل تركي وآخر مصري دون هوادة ولا حتى فاصل لتقليب جدر الباميا قبل أن يحترق او تقرض نصف مونته النار الطويلة..
طالما أن (وكاحة) الأولاد تمّ حلها بملازمة شاشة الموبايل او السهر مع لعبة الببجي، واذا أردت جمعهم على الغداء، فما عليك سوى الصياح بصوت عال لأنّه أمر شاق أن تنادي الزوج، ليترك هاتفه او ارگيلته، وابنك، ليترك ألعاب الفيديو، وبذلك تتبدد اللحظات الجماعية والحميمية بين العائلة بتزاحم مغرياتها بعد أن أنهت وسائل اللهو والادمان وفي مقدمتها مواقع التواصل اجتماع العائلة ولمتها اللطيفة.
لعنة المقهى والأركيلة
تشكو (براء احمد) ربّة المنزل من تعلّق زوجها الشديد بالمقاهي لكونه يعيش علاقة حب مع الارگيلة، ويصاب بالصداع ويملأ المنزل بعصبيته اذا ما مرّ يوم دون استنشاقها، إنَّه يعيش من أجلها لساعات، وأحيانا ينسى تناول الطعام والسؤال عن احتياجات أسرته، تقول بانزعاج: منذ عودته من العمل، حتى آخر ساعات النهار، لا نعلم عنه شيئا، يجلس مع رفاقه، يلعب الدومنو، والورق والطاولي، اتّصل به وكأنَّ هواتفي تقلق وقته الثمين باللعب، ثم يعود وينام مباشرة، لا نفهم من أمره شيئا، اتذكر في إحدى المرات عاد متأخراً كعادته ولم يجدنا، كنت قد أخذت صغيرنا الى المستشفى بعد عشرات الاتصالات به دون استجابة، والمصيبة أنَّه تهجّم عليّ فيما بعد، لقد أكل رأسه المقهى وأصبح وجوده مجرد راتب شهري، إنه يذكرنا بذلك كل يوم ويتساءل: هل أنا مُقصّر؟ وكأن التقصير متوقف على المال وحسب.
شجار على التلفاز
(فهد العباسي) وهو سائق أجرة، يشكو من عدم اهتمام زوجته جيداً بالمنزل، لترقبها الدائم للمسلسلات التركية واللبنانية والمصرية دون هوادة، تنتهي مسلسل وتبدأ أخرى، الى ما لا نهاية من عوالم التمثيل، يحترق الطعام وأحيانا يتأخر طبخه، ولطالما دخل بشجارات غريبة تنتهي بتفضيل الحلقة على الاسرة، إذ يكمل قائلا: لا يمكنني أن أكون مجحفاً هكذا وألغي كل ما تقدّمه لنا، لكنّها حقّا تنسى نفسها أمام التلفاز، حتى أن كثيراً من المناسبات والتجمعات نقوم بإلغائها من أجل حلقة مهمة لا تريد تفويتها، وأجد أن مثل هذا التمسك بالتلفاز، قد ألغى الكثير من الارتباطات الاجتماعية مع أصدقاء وأقارب لنا.
ألعاب فيديو مرهقة
أما خبيرة التجميل (وسن عادل) فكانت تريد أن تشعر بالقليل من الراحة، فجلبت مع زوجها، بعض ألعاب الفيديو لضمان لهو أولادها بعيدا عن المناكفات والركض طوال اليوم في المنزل، لكن، لربما تشعر بالندم لأنها زجّت بأولادها في سجن الألعاب والغرفة الصغيرة دون أن تعلم كيفية إخراجهم من هذا المكان، تقول بملل:
لا يحضرون لتناول الطعام، بل يأخذون طعامهم الى غرفتهم ويستمرون لساعات طويلة بمكان واحد دون تحريك أجفانهم، جربت ووالدهم القسوة معهم لكن حتى متى، إنهم يبكون اذا ما سحبنا هذه الاجهزة منهم، ويستمر انعزالهم من العالم، ولا يحبون غرفة المعيشة ولا الشارع، أشعر أنّنا ساهمنا بصنع أشخاص منعزلين، وهذا ما يوجعني.
لا توازن ولا تنظيم
توضّح الخبيرة النفسية (رونق الموسوي) أنه إذا كان أفراد العائلة مشغولين بمشاهدة التلفاز أو ممارسة ألعاب الفيديو أو استخدام الهواتف بشكل زائد، فقد ينقص الوقت المشترك الذي يمكنهم قضاءه معا والاستمتاع بالأنشطة العائلية، مع ذلك، يمكن أن تكون هذه الأنشطة إيجابية إذا تم التحكم فيها واستخدامها بشكل متوازن، مثل مشاهدة البرامج التعليمية معا أو لعب الألعاب الجماعية التي تعزّز التفاعل الاجتماعي بين أفراد العائلة.
وتكمل قائلة: يمكن أن يؤدي التعلّق بشكليات الحياة بدلاً عن جوهرها، إلى زيادة الخلافات العائلية، لذلك يجب وضع أوقاتٍ محدّدة لاستخدام الهواتف وألعاب الفيديو، وتخصيص بعض الوقت للتفاعل العائلي بدون المُلهيات، فقد صنع الإنسان المقهى والألعاب والمسلسلات لترفيه الفرد، وليس لسحبه من عالمه الواقعي، ومن الافضل كذلك بدء النقاش المفتوح بين أفراد العائلة بشأن أهمية الوقت المشترك والتواصل الحقيقي، او القيام بأنشطة مشتركة مثل الطهو معا، اللعب في الهواء الطلق، أو اللعب الجماعي.