سارة سهيل/
تقر كل المجتمعات في العالم شرقا وغربا، مهما كانت ثقافتها ومرجعيتها الدينية، بأن المرأة هي نصف المجتمع وشريكة رئيسة في بناء حضاراته بما تملكه من عقل وتدبير وحكمة تصنع وتربي بها الأجيال.
والحقائق الكونية اثبتت قدرات المرأة عبر العصور والحضارات في النهوض بالمجتمعات وتبوأت اعلى المناصب، حتى كانت ملكة وقاضية وطبيبة وقائدة طائرة وفيلسوفة وأديبة وفنانة من ودون ان تتعارض قدراتها العقلية مع انوثتها.
والمرأة العربية على وجه الخصوص ناضلت مع زميلها الرجل من أجل التحرر من الاستعمار الأجنبي في مصر والجزائر وفلسطين. كما صمدت المرأة العراقية منذ عقود وبرغم الحروب والحصار في ممارسة دورها الاجتماعي ورعاية أطفالها اليتامى وسط قصف وجرائم قتل يومي يرتكبها الارهابيون. وتواجه المرأة السورية صنوف التهجير لحماية صغارها بكل قوة بعد ان فقدت عائلها نتيجة الصراع السياسي الدائر هناك.
استثمار جمال المرأة في الترويج
وفي عالمنا المعاصر سعت فنون الدعاية التجارية لتقليص ادوار المرأة وقصرها على جانب واحد وصورة ونمطية واحدة وهي المرأة الأنثى واستثمار جمالها في ترويج السلع والمنتوجات المختلفة بأساليب رخيصة، حولت فيها المرأة الى مجرد دمية يوظف جمالها وانوثتها في فنون عرض البضائع وجذب الزبائن، مع الغاء كينونة المرأة كشريك فاعل للأسرة والمجتمع.
ويتفنن صناع هذه الاعلانات في انتاج بروموهات دعائية تجارية في ابراز مفاتن المرأة ليقرنوها بمفاتن السلعة لجذب الجمهور الى شرائها بوسائل رخيصة، متغافلين حقوقها الإنسانية في الحفاظ على كرامتها وعقلها وثقافتها.
بينما اثبتت الدراسات العلمية التي اجريت في دول الشرق والغرب على حد سواء حقيقية ان الإعلانات الخليعة قد أساءت لكرامة المرأة حين تم استخدام جسدها للفتنة والاثارة، وصارت رمزا للجسد والمعايير الاستهلاكية مثل الدمية التي لا عقل لها ولافكر ولا دور سوى التسلية الرخيصة.
ولا تقبل أكثر الشعوب تحررا وحداثة ان تختزل الإعلانات التجارية صورة المرأة في نمط انثوي يحصرها في جسد فتان، وفي صورة سلبية تنتهك كرامتها وتلغي ما يتمتع به هذا الكيان الانساني الجميل من علم وعقل وفكر وثقافة وأدوار مهمة في تعمير الأرض والارتقاء بها.
رقيق ابيض..جديد
ولكن الأزمة الكبرى ان الاجهزة الرقابية لم تمنع رأس المال من استخدام المرأة كسلعة بعرض مفاتنها بجوار بيع السلعة المعلن فيما يشبه تجارة “الرقيق الأبيض” والذي تتحول فيها المرأة من عفيفة طاهرة إلى مهانة وعديمة الكرامة!
يجب أن نبدأ بشن حملات تناهض الاستخدام الرخيص للمرأة في الاعلانات التجارية.
ويبقي على المؤسسات البرلمانية والاعلامية الرسمية في الدول العربية الإسراع في سن تشريعات تمنع الظهور المبتذل للمرأة في الاعلانات التجارية حفظا لكرامتها من الإهانة والاحتقار والإبقاء على دورها الريادي بجميع المجالات.
الجمال من صنع الله والأناقة ذوق ورقي ولكن استخدامهما كتجارة أو للترويج يحول المرأة إلى سلعة تباع وتشترى وعندها لن يصبح هناك فرق بين من يسبي المرأة ويبيعها كجارية وبين من يجعل منها جسدا بلا عقل.
انتهاك حقوق المرأة لا يختلف بين من يعنفها ويضربها ويحبسها بإسم التزمت الديني الكاذب وبين من يهينها ويحولها لدمية بإسم التحرر والإنفتاح الكاذب.