فكرة الطائي/
البنات يضعن أسرارهن لدى أمهاتهن، تلك كانت حقيقة ثابتة في زمن مضى، لم تشهد عصر التطور التقني لوسائل الاتصال التي تجاوزت الهاتف الأرضي وجلسات الطرف بين نساء وبنات المحلة. ولم تشهد العلاقات الأسرية بين الأبناء والآباء والأمهات هذه العزلة والتباعد الروحي على الرغم من أنهم يعيشون في بيت واحد، أو يجلسون في مكان واحد، لكن كل فرد من أفراد العائلة مشغول بجهازه الخليوي في دردشة متواصلة مع أصدقاء و(كروبات) خاصة.
ولم تعد البنت تختلف عن الابن في هذا السلوك مع صديقاتها و(كروباتها) المفضلة التي أبعدتها عن حنان الأم ورعايتها، وأقفلت صندوق الأسرار بينهما، فلم تعد الأم تعرف شيئاً عن بناتها إلا ما ندر، وعن طريق الصدفة.
أمي مخزن أسراري
الكثير من البنات أصبحن يضعن أسراهن خارج البيت، إلا أن هناك بنات ما زلن يتمسكن بالتقاليد العائلية الرصينة ولا يفرطن بها ويحافظن على تماسك الأسرة، وتبقى الأم لديهن مخزن الأسرار.
في السياق هذا تقول الآنسة صابرين علي – خريجة معهد تقني – “أعد أمي مخزن أسراري إذ أبوح لها بالكثير مما يحدث لي أثناء الدراسة، أو في الطريق، أو ما أفكر فيه بالنسبة للمستقبل، لكني في بعض الأحيان أخشى أن أتحدث معها في أمور قد تسبب لها الألم والحزن وتشغل ذهنها بالتفكير، فقد تذهب أمي بعيداً بأفكارها لأنها تخاف علينا وتريد أن تضمن لنا حياة سعيدة في وجودها.”
هذا الرأي لا يختلف كثيراً عما تحدثت به الشابة إسراء عباس، فقد قالت: “لا يمكن لي أن أبعد أمي عن تفاصيل حياتي اليومية وما يحدث لي مع صديقاتي، حتى في الكلام الخاص بيننا كبنات، فأنا لا أشعر بالأمان والاطمئنان إلا بالقرب من أمي، فهي التي تخاف على ابنتها وتسعى الى إسعادها، تشاركني أسراري وأفكاري وتحاول حل مشكلاتي.”
أنا كتومة بطبعي
ما تعيشه الآنسة ابتهال محسن في وسط أسرتها يختلف شيئاً ما عن الأخريات فهي، كما تقول: “أنا في طبعي كتومة وقليلة الكلام داخل البيت مع إخوتي وأخواتي وأمي، أبتعد كثيراً عن أبي، فأنا أخشى حتى النظر إليه على الرغم من أني أعرف جيداً أنه يحبني كثيراً، أمي تعرف طبعي هذا، لكنها دائماً تشعر بالقلق، وأنا أحس وأشعر بقلقها هذا، تحاول أن تتقرب مني وتفتح معي حوارات كثيرة تريد من خلالها معرفة ما أفكر به ولمن أتحدث من الأقارب والصديقات، وأراها تتضايق كثيراً عندما لا تحصل على جواب يرضيها أو يقنعها، اذ يبقى الشك يدور في ذهنها، أنا لا أحب أن أبوح بأسراري لأحد بل أكتم مشاكلي في داخلي.”
صديقاتي محط أسراري
تقول السيدة مريم ناصر -موظفة متزوجة حديثاً- “منذ أن كنت طالبة في المرحلة الإعدادية أو الجامعية كان لي العديد من الصديقات، وكانت من بينهن صديقات مفضلات هن مصدر ثقة لي إذ يحفظن أسراري، على بساطة تلك الأسرار، واليوم في الوظيفة أيضاً هناك صديقات مقربات أبوح لهن بما أعاني منه أثناء العمل في علاقاتي مع الآخرين أو في المحيط العائلي، أذ أني لا أتذكر في يوم من الأيام أني شاركت أمي في شيء من أسراري، وهي بدورها لم تسألني بماذا أفكر، فقد عودتها على أن تكون بعيدة عني، ليس بقصد مني وإنما هي الحياة التي رسمت لنا طبيعة علاقة محددة.”
صديقتي تفشي أسراري
تقول الآنسة ملك خالد: “صدمت حين عرفت -عن طريق الصدفة- من صديقة مقربة الى صديقتي، التي هي مصدر ثقتي ومستودع أسراري، أن تلك الأسرار لم تعد أسراراً، وإنما صار الكثير من الصديقات يعرفن بها ويتندرن علي لأني وضعت تقتي في إنسانة هي ليست مصدر ثقة، على الرغم من أنها تتصل بي يومياً وتتحدث معي لساعات لتعرف ما تريد أن تعرفه، في هذه اللحظة عرفت كم كنت غبية وبلهاء حين وضعت ثقتي في هذه الصديقة وابتعدت عن أمي التي هي أقرب إنسان لي، منذ تلك اللحظة أيقنت أن أسرتي هي حمايتي وأن أمي هي صديقتي ومستودع أسراري.”
نهاية المطاف
في نهاية المطاف، يحدد الباحث التربوي سعد السوداني عوامل عدة لهذه الظاهرة منها: العلاقة الأسرية، وعلاقة الأم بالبنت، أو علاقة الأب بالبنت، أو بإخوانها وأخواتها، بمعنى أنه حين تكون العلاقة مع أحد الأطراف جيدة يصبح هذا الطرف موضع أسرار البنت، كما أن علاقة البنت مع غير أفراد الأسرة مثل العمة أو الخالة أو زوجة الأخ أو آخرين فقد يكون أحدهم موضع الثقة ومستودع الأسرار، كما تخضع طبيعة العلاقة أيضاً الى نوع وخصوصية الأسرار التي تتحكم بطبيعة اختيار مستودع البنت الخاص، مثل الأسرار العاطفية أو المرضية أو النفسية، فلكل من هذه الأسرار مستودع يختلف عن الآخر، كما أن المؤثرات الخارجية، مثل المسلسلات والأفلام، تلعب دوراً في تحديد اختيار موضع تلك الأسرار، فضلاً عن تجارب الآخرين المماثلة، مثل الأخت أو الصديقة أو زوجة الأخ ، وفي الأعم لا يمكن ترجيح طرف على بقية الأطراف، وربما نستثني من ذلك الأم لأنها الأقرب الى البنت لاعتبارات اجتماعية ونفسية.”