رنيم العامري/
“خايف عليهه.. تلفان بيهه.. شامة ودكّه بالحنج لو تنباع جنت اشتريهه”.. يتناءى إليّ صوت (ناظم الغزالي) وهو يصدح عن رغبته في شراء شامة ووشم في حنك الحبيب، وأفكر فيما أنا أطرب معه، عن تلك الفتنة التي خلبت لبّ العاشق المسكين، ويخيل لي أنّها ذات الفتنة التي جهرت بسرها الملثّمة وهي تغني: “كوم درجني وامش جدامي.. لاتخاف من أهلي ولا أعمامي.. لو تشوف الدكّه حدر لثامي.. جان أنهبلت وصابتك جنيّة”.
يشِم أحدهم شكل دراجة هوائية على ساعده، بينما تشِم إحداهن شكل ريشة طائر، فيما يعمد آخر، كمزحة أبدية، إلى وشم عبارة (آخ ماكو وفة) على ساعده، وكلّ من هؤلاء الذين أعرفهم شخصيّاً، كان يعرف أنّ إزالة هذه الوشوم لا تتم إلاّ بإذابتها بالأسيد، فالوشم قرار لا رجعة فيه!
ومازالت وجوه جدّاتنا تحمل وشوما حولتها السنون الى نقوش بخضرة باهتة، حينما كانت الـ(دكاكة) ترد البيوت لتزين معاصم وحواجب وحجول وحتى صدور النسوة المتجمعات بانتظارها، تشمهّن بذات الأبرة المتوهّجة من عين اللهب، ولا حبر آنذاك سوى (السخام)، مثلما جسّد ذلك الفنان العراقي (ماهود أحمد) في لوحة فنّية باسم (الوشم)، سمعتُ أنها سُرقت في فوضى عام 2003 ثم أعيدت إلى المتحف فيما بعد.
وأتذكر مفاجأة جدي لأمّي الذي أكمل تعليمه الجامعي وتزوج من آنسة صغيرة العمر من ريف البصرة، جدتي، حينما عاد إلى عروسه بعد يوم عمل طويل فوجدها وقد أكملت وشم (البكشة) على عضلة الساق، وأضافت اليهما (الركاعيات) على الفخذين، عدا عن (دكة الحنج) والحواجب، فصعق من هول مفاجأته وصار يصفق الراح بالراح حائراً في أمر هذا (التشويه).
والقول هو أنّ لكل منطقة في العراق وشومها، فما ستجده مرسوماً على أجساد نسوة الفرات الأوسط لن تجده عند الجنوبيّات أو الكرديات أو نساء المنطقة الغربية. وبعد انحسار شعبيّة هذه العادة لزمن طويل، عادت فانتشرت مع ورود موجة (التاتوو) الحديثة على أجساد الشباب إلينا من الغرب، فصارت هنالك محال مرخصة تقوم بعمل الوشوم فيها شخص متدرب يكون في العادة فنّاناً محترفاً، بأدوات وأحبار مستوردة خصيصاً لهذا الغرض، يعرض على شاشة الحاسوب أمامك مجموعة من النماذج، وفيما يقلب بين صفحات الانترنت سيسألك هل تريده وشماً ملوناً، أسوداً، أم ثلاثي الأبعاد، ولك أن تختار!
في دراسة اجتماعية ميدانية أعدها الدكتور عبد السلام سبع الطائي لوزارة الداخلية تحت عنوان (كشف أسرار اللسان والرسم والكتابة على الاجسام)، يشير التقرير الذي تناول نزلاء الأقسام الإصلاحية في سجن أبي غريب لسنة 1990 في إحدى صفحاته إلى قائمة بألقاب متعاطي الحبوب المخدرة الذين يضربون أنفسهم بشفرات الحلاقة، ومنها (سيكوتين، سوق الغزل، خميسة، دبابة، أبو الشمعة، سعد جمجمة) وغيرها. كما يتناول العبارات الموشومة ودلالاتها التي يود الشخص الموشوم الإجهار بها، فالتقرير يشير إلى أن بعض النزلاء يجهرون بميولهم المثلية بوشم علامات مميزة على الكتف، أو حتى للتشهير والإذلال فيكون الشخص الذي يلقب بـ(الحلو) أو (البنك)، وهو ملك لشخص آخر يكون أقوى وأكثر سلطة، يلقب عادة بـ(الخوشي).
في تقرير مصوّر عن أسوأ سجون العالم. يظهر السجين مع وشم على يده اليسرى دلالة لانتمائه إلى واحدة من أعنف العصابات اللاتينيّة (MS13). يقول المعلّق “إن الوشوم على أجسادهم لا تعني انتماءهم للعصابة فحسب، بل تعني قصة حياة كل فرد منهم”.
إن وشوم العصابات تبدو وكأنها زي عسكري تعلن عن جانب من الحرب.. ثعبان برأسين أو قرن شيطان مقلوب أو حرف مجرد يرمز للمافيا.. تحصل على وشم سيف عندما ترتكب أول جريمة، وهو رمز للتضحية.
يقول مجرم في عصابة أمريكيّة تدعى (نورتنيوس) لتجارة المخدرات، وقد وُشمت على جانب من وجهه ست نجوم زرق: يرسلوننا للسجن لكي نقوم بالقتل داخله، فأنت تحصل على نجمة إثر كل عملية اغتيال تنفذها. بينما يقول آخر أن عملية محو الوشوم القديمة التي ترمز لانتماء إلى عصابة ما، ستودي بك غالباً للمقبرة. فيما يقول أحد مفتشي السجون وهو يصادر إبرة وشم بدائية مهربة: إن الوشوم مفيدة عندهم جداً، لأنها تساعدهم على تمييز بعضهم.