آمنة عبد النبي /
ما حكايةُ النسوة اللاتي تحولت جيوبهنّ إلى صندوقِ مالٍ حُرّ، وأنهُ آن الأوان للعيشِ باستقلاليةِ القانون الأوروبي وحمايتهِ، بعد أن كنّ في عهدةِ زوجٍ شرقي متحكم بميزانيةِ البيتِ وصرفياتهِ؟ ولماذا تعتبر الزوجة المُتمردة قيادة الرجل وحصر المصروف بجيبهِ انقلاباً مؤجلاً على حقوقها وتنتظر ساعة الحسمِ لرميهِ خارج المنزل؟
وهل حقاً أن المرأةَ المستقلة اقتصادياُ حينما تتعرض للتعنيفِ الذكوري تستطيع أن تخرج من دائرةِ العلاقةِ الهادمة وتبدأ حياتها بقوةِ كراهيةٍ مضاعفة للثأرِ منه بأثرٍ رجعي!؟
كارثة الإقصاء الجندريّ
“ماكنة الإنجاب، المُطيعة، الصامتة، جميعها مُسميّات عرفية خاطئة ومغلوطة زُرعت في عقول الرجال عن بايولوجية المرأة وتركيبتها الجسمانية والمعنوية”.. رأيٌ نسويٌ محتج لمسؤولة العلاقات العامة في الأكاديمية الأميركية للتدريب، مريم سمير، التي تعتقد أن التمكين المادي المُستقل فكرة مُخيفة لبني آدم، لأنهم أقنعوها، ثقافياً وتربوياً، بأنها لا تصلح لأكثرِ من فكرة الإنجاب وتدبير المطبخ، لا إدارة ميزانيته، فهي الكائن الضعيف، مكسور الجناح، مهما بلغ مداه فمكانه الأخير هو المطبخ، لا القيادة وصندوق المال، رغم أن لدينا الكثير ممن يفهمون ويقدسون المرأة ودورها المنصف في شتى النواحي، وبمفهوم صحيح، علماً بأنني لا أنكر أن الجزء الأكبر من العمل البدني الشاق والوظائف الصعبة يتكفل بها الرجل ويتحمل مسؤوليتها لاختلاف بنيته الجسدية وحالته الجسمانية، لكن هذا لا يمكن اعتباره حداً فاصلاً بين التقسيمات الوظيفية لإبقاء المرأة بعيدة عن سوق العمل. إذن، ليست القوانين لوحدها تختلف من بلد إلى آخر فحسب، وإنما التوجهات الذاتية والدينية والعرفية، التي صارت تدخل حتى في نوعية أطعمتنا وملابسنا، كيف يمكنها أن لا تتدخل في أمور كهذه وتفسدها. لكن في أوروبا تختلف القوانين جذريا عن الموجودة في مجتمعاتنا الشرقية الهشة، المتخمة بالترهلات، ولاسيما من ناحية التفاضل مابين الرجل والمرأة، لذلك يحدث الصدام الثقافي، هذا الموضوع كثرت فيه الجدالات ومازالت خاضعة لمزاجيات المجتمع الذي سواده الأعظم يميل إلى ماتميل إليه السلطة الذكورية.
اضطراب نسوي حاد
من مدينة “شتوتغارت” الألمانية، تساءل الشيف (رائد علي)، مُستغرباً ومتذمراً، من هذا الهجوم النسويّ المُرّ، ودافع عن أبناء جنسهِ، قائلاً بامتعاض:
“ماذا دهاكنّ، ألسنا شرقيين ولنا عاداتنا مثلما للآخر عاداته وتقاليده وأسلوب حياته؟ لماذا نحصر أصولنا في خانة التخلف والهمجية بحجة الحريات الزائفة؟ مع أن المشاركة الاقتصادية داخل البيوت، ووفقاً للنظام الأوروبي، هي منطلق جميل لا اعتراض عليه، لكن السؤال هل استثمرته المرأة الشرقية هنا للتفرّد بطموحها، او لنقل لتدعيم بيتها، لا تهديمه وضياع الأسرة؟ وهل كنّ جديرات بإدارة البيت؟ ولماذا تعتبر المرأة قيادة الرجل للبيت، الذي يضم الجميع، هو سطوة رجولّية وثورة مكبوتة؟ لماذا هذا الافتراض الخاطئ المبني على نظرية الظالم والمظلوم.. انا شخصياً لا أسمح لزوجتي بالعمل لأنني أعرف مقدرتها على التحمل، ولديّ أصدقاء طلبوا من زوجاتهم الجلوس في البيت للاهتمام بالأطفال، او ربما كنوع من الدلال والتقدير لوجودها كسيدة بيت معززة، بأي حقٍ يتم التلاعب بقوانين الحياة المستقرة؟ بصراحة أشعر أن هنالك اضطراباً نفسياً يتحكم بمشاعر بعض النساء في أوروبا.
فكرة مرعبة للرجال
“لا أستغرب ثورتها النفسيّة في المجتمع الأوروبي كنوع من رد الفعل أمام اهتزاز معادل الثقة وإعادة هيبة شخصيتها المنسحقة بأثرٍ رجعيّ على يد الرجل..”
نور القيسي.. الإعلامية المقيمة في مدينة “اوربرو” السويدية، اعتبرت أنّ الوضع الاقتصادي المترهل عالمياً وغير الآمن للمرأة، هو ما أجبرها على أن تدخل سوق العمل والمنافسة الاقتصادية، لأن التمكين الاقتصادي للمرأة فكرة مُرعبة للرجال عالمياً، ومشاركتها الكاملة -على قدم المساواة في جميع جوانب المجتمع- بما في ذلك المشاركة في عملية صنع القرار وبلوغ مواقع السلطة على نحو عادل ومنصف، هو هدف واستحقاق قانوني وإنساني مسلوب من حياتها، ومازالت تناضل من أجلِ نيله، وستظل المجتمعات بدون دورها المحوري معطلة ومتعثرة، وعبثاً تحاول أن تطير بجناح واحد.
كلاهما ضحيّة عُرفية
“الموضوع لا علاقة له بنظرية الظالم والمظلوم، لأن كليهما -في الحقيقة- ضحية منظومة عرفية متكاملة غير متجزئة يحكمها الصعيدان الديني والاجتماعي المتزمتان”..
بهذا الرأي المتناصف لجذر المشكلة، شاركنا مصطفى الحمداني، الكوافير العراقي المُقيم في العاصمة الألمانية “برلين”.. حيث قال:
ينشأ الطرفان في بلادنا على أساس التقاليد العربية التي ترغم الرجل على المسؤولية الكاملة عن المرأة والأطفال، وهنا تمنح المرأة العربية سلطتها المطلقة للرجل من لحظةِ خضوعها لإنجاب أكبر عدد من الصبية، ودعاؤها المستمر أن تنجب الطفل الذكر كي تضمن عدم زواج الرجل من أخرى أو تركه لها..
مُضيفاً: لا ننسى أيضاً تجاهل المرأة للمرأة ذاتها في مجتمعاتنا على الصعيد العام، حتى في البرلمان العراقي مثلاً، تم تخصيص كوتا للنساء، لأنهم يعلمون أن المرأة لا يمكن أن تنافس الرجل بالنتيجة لأنها لا تحظى بأيِ دعم أو تأييد حتى من بناتِ جنسها!
كبت وعقد متوارثة
“بالمناسبة، النساء اللاتي فشلن اقتصادياً في البيئات الشرقية، ولم يكن لديهن عمل في مجتمعاتهن، سيتبين عليهن رد الفعل بشكلٍ حاد وصادم للرجل، أما اللاتي كن بشخصيات مستقلة فلا أعتقد أن التغيّر سيجعلهن ملتزمات”..
هو التشخيص التربوي الذي تبنته (إلهام علي)، المُختصة في مجال التربية الأسرية في مدينة “يتبوري” السويدية، مكملة:
كلاهما يتقاسمان العقدة السايكولوجية، حتى الرجل الذي يأتي الى البيئة الأوروبية كبيراً في السن، أي فوق الأربعين مثلا، لا يستطيع التأقلم مع المجتمع السويدي كما هو الحال مع المرأة، فنجده منطوياً على نفسه، على عكس المرأة القادرة على التكيف والعطاء والإنتاجية، وهنا أتحدث عن غالبية الرجال، ولاسيما أولئك الذين يفتقرون إلى التعليم الثانوي أو الجامعي وبعض الحرفيين، لأنني قابلت الكثير من النساء اللاتي استطعن أن يدخلن مجالات عمل مختلفة ويتميّزن بجدارة، بينما تجدين الزوج يجلس في البيت متذمراً من طاقتها وطموحها اللذين سينهيان العلاقة في نهاية المطاف. كما قابلت أيضاً أخريات قابعات تحت عقدة الثأر المريضة التي لا تملك من حريتها سوى النيّل من الرجل..
في نهايةِ دردشتنا الصحافية، المشحونة بالاستفزازِ، يتضح جلياً أن متطلبات الحياة الأوروبية هي التي تفرض على المرأة والرجل الانصياع والطاعة للمستجدات والقوانين هناك، وأن متلازمة التصادم الثقافي التي يعاني منها الجميع هي نتيجة طبيعية لتجربة استقلال مفاجئة حولت المرأة من محكومة وخاضعة الى سيدة مستقلة ذات دخل مستقل. من هذا المنطلق، وبناءً عليه، يفترض أن يسهم تغيير البيئة والقبول بالقوانين بشكلٍ كبير بترويض النزعة الشرقية لدى كل منهما، لأن هنالك فارقاً كبيراً بين تحصيل الحقوق وثقافة سد النقص النفسي..