د.قاسم حسين صالح/
ما من أحد منّا لا يحب الرومانسية، ومصيبتنا فيها أننا افتقدناها منذ ثلاثة عقود ونصف متصلة!، لأن الرومانسية مثل حمامة.. تهرب من أجواء الدخان ولا تحطّ الا على القلوب التي تغنّي للحب والنفوس التي ترقص للفرح.. فكيف إذا كان الوطن مشتعل نارا بعمر جيل، والقلوب مفجوعة بالأحبة، والنفوس مسكونه بالوجع!.
والرومانسية بوصفها مشاعر رقيقة، وانفعالات معطّرة بروائح القرنفل والكاردينيا والياسمين، نتوق اليها حتى لو كان الواقع الذي نعيش فيه أشبه بالجنّة.. فكيف إذا كان كلّ ما في هذا الواقع ..خشنا، الناس فيه بوجوه خاصمتها الابتسامة والعلاقات فيه صارت جافة!.
غير أن الرومانسية في العلاقات الانسانية هي غير الحب في العلاقات العاطفية. في الأولى: حالة ايجابية نغنّي لها، وفي الثانية: حالة ينبغي ان نحّذر منها. ذلك أن هدف العلاقات العاطفية في مجتمعنا هو الزواج، والمشكلة أن الحب الرومانسي لا يسير في السكة التي تؤدي الى الزواج.. بل هو يرى في الزواج أنه قاتله!!.
ما يحصل في الحب الرومانسي أنك تنبهر بالشخص الذي تراه من أول نظرة.. وكأنك تستيقظ على صوت يقول لك من داخلك :” هذا هو الذي كنت أنتظره العمر كله!”.. فتلتهب فيك مشاعر شديدة تحلّق بك في عالم بلا حدود من السمو والرقة والتمني والقلق.. وتروح تردد مع نزار قباني:
(أي انقلاب سوف يحدث – لو احبك-
في نظام الكائنات
أي ارتجاج في ضمير الكون لو لعبت بشعري يداك
لو إمرأة مثلك تحبني
عمّرت للعشاق ألف مدينة
وبسطت سلطاني على كل الممالك واللغات).
ولكن.. ما أن تقع فيه.. أعني حين يعيش الطرف الآخر الحالة نفسها، حتى تكون مثل رقّاص الساعة في مزاجك الانفعالي، فمرّة تكون طائرا من الفرح وأخرى مضنوكا كأنك في قفص، ومرّة تصعد بك البهجة الى السماء وأخرى يطرحك اليأس أرضا.
ولقد انشغل علماء النفس بسيكولوجيا الحب الرومانسي وخرجوا بنتائج (مخيبة).. اوجعها: ان التعاسة غالبا ما تكون نهاية الزواج الرومانسي!. فالعدو الذي يقتل الحب الرومانسي هو ..الزمن ، لأن غرامه يبرد بمرور الأيام، وناره تكون مثل شمعة.. تمضي نحو الانطفاء بتقدم الشهور لا السنين!.
ومشكلة الحب الرومانسي أنه خيالي.. مثالي.. أشبه بحلم، وأن الذي يقع فيه يريد أن يكون هذا الحلم حقيقة واقعه، فيما هما عالمان متباعدان.. أعني: عالم الخيال الذي كل ما فيه جميل وطريقه سهل وناعم، وعالم الواقع الذي فيه القبيح والجميل وطريقه صعب وخشن.
وقد تستغرب أن دراسة حديثة نصحت المتزوجين بعدم مشاهدة الأفلام الرومانسية! وعللت السبب في أن المقارنة بين العالم المفعم بالعواطف الرقيقة الذي يشاهده الزوجان في هذه الأفلام، والمنغصات التي يعيشانها في عالم الواقع، يدفع الزوج أو الزوجة الى لوم أحدهما الآخر على أنه هو السبب في حصول ما هما عليه من مشاكل ومتاعب. وغالبا ما تبدأ الزوجة فتقول لزوجها: وين ذيك المشاعر.. وين ذيك اللهفة.. وين ذاك الحب.. تبخر لو ذبيته بالشط.. لو خاف هايم بحب جديد. وطبعا ينتهي الموقف “بديرة وجه اذا موعركة من صدك”.
وهنالك اعتقاد شائع هو أن الشابات أكثر رومانسية من الشباب، غير أن العكس هو الصحيح. فالفتاة ترى في الحب الرومانسي أنه (لا يفتح بيت ولا يوكل خبز) و (حب جنون من غير مأذون، يفتح الله) على حد تعبير نبيلة عبيد.
اعرف انك (شاب/ شابة) ان كنت رومانسيا فان هذا الكلام (راح يدخل بهالأذن ويخرج من الثانية).. ولك ان تتجاهل هذا التحذير وذنبك على جنبك!. لكنني ادعو السياسيين الى ان يقتربوا من الرومانسية ويغنوا لها، واحرّض الزوجات ان يوقدن شموعها ويشعلنّ بخورها، اذا مو كل أثنين وخميس.. فلتكن كلّ خميس!.