#خليك_بالبيت
آمنة عبد النبي /
لقمة سائغة بين فكّي المجتمع الشرقي، وكائن اجتماعي منسحق إنسانياً ومهزوز قانونياً، هو ما تصنعهُ التجربة الزوجية الفاشلة بإحداهن لو طُلقت. أما في أوروبا التي تضج بالمشكلات العائلية، فيتصدر “ترند” النساء المنفصلات فيها قائمة الشخصيات النسوية الأكثر نجاحاً والأشد سطوة في احتكار القرارات الدكتاتورية، فهل يخلق القانون هناك حقاً سيدة قرار حقيقية أم أنه مُصمم لإلقاء الرجل الشرقي خارج البيت؟ وفي مقارنة إنسانية عادلة.. ترى من يتحمل وزر ذلك الفارق الغريب بين الشخصيات الحادة والمنسحقة على السواء؟
وقاحة وحقوق
“الدكتاتورية، كما يشيطنها الرجال المطرودون خارج البيت في أوروبا، تعني وجود سيدة قرار حقيقية ليس بوسع الطليق المعاند تقبلها والرضوخ لمساواتها قانونياً رغم أنفه.”
بانفعال لافت وغريب على من يسكن العاصمة ستوكهولم، بدأت السيدة (إلهام حسين) حديثها مستعيدة بذلك تجربتها الشخصية في هذا الشأن:
“البيوت الشرقية في أوروبا لا يبدأ فيها الانفصال وعصمته من الرجل، كما هو الحال في بلادنا، وإنما تجدين المرأة هي التي تطلقه! كما حدث معي في زواجي الأول. جئت إلى السويد بطريقة لمّ الشمل، وجرت الأمور على ما يرام مدة سنتين تعلمت أثناءهما ثقافة القانون وبرامج الاندماج التي عرّفتني بأن لي حقوقاً لا يمكن للشريك ابتلاعها فيما يخص مساحتي الشخصية، مثل اختياراتي التي تتعلق بالمهنة التي أحبها، لا التي تناسب سمعة العائلة. أيضاً كان للاستقلال المادي الذي وفره لي العمل في أوروبا، دور مهم في انفراد شخصيتي بكيان مستقل لا أحد يختار له قراراته كما في السابق. بصراحة لم أعد ربة منزل مسؤولة من زوجها، حتى المشاركة في إعداد الطعام والعناية بأطفالنا فرضت عليه تقاسمها معي، لأن العدالة تحتم أن يأخذ دوره كربِّ بيت، لا كقائد منفرد نحن بمعيته. في بادئ الأمر لا أنكر أنه تقبل الوضع الجديد على مضض، لكن مع الأيام واتساع مسؤولياتي الاجتماعية والمهنية أصبحت مساحة الاختلاف والنفور بيننا كبيرة بسبب عناده. هنا صار ينظر إلي كزوجة متربصة بأخطائه التي اعتاد عدم الاعتراف بها. وكأية زوجة محصّنة بقانون أوروبا، لها حق الاحترام الكامل وعدم السماح بأي تجاوز أو تعنيف لفظي في البيت، صرت أهدده بطرده خارج البيت قانونياً إذا لم يهذب سلوكياته ويكف عن عنترياته القديمة، وقلت له حرفياً إننا في أوروبا، وإنني أستطيع أن أطلقه في أية لحظة وأرميه خارج حياتي، وهو ما حدث فعلاً. ربما كانت التجربة جديدة ووضعتني في خانة (الوقاحة) بنظر كثيرين، لكنني أعترف بأنها أكسبتني شخصية قوية لا تهادن ولن تهادن أي فكر ذكوري متخلف على حساب نفسها.”
فلوس ونفوس
“التجربة الفاشلة لأية امرأة ليس بإمكانها أبداً خلق شخصية دكتاتورية، كل ما في الأمر أن البيئة القانونية في أوروبا محفزة ومغرية للمرأة على حساب الرجل وبمقدار ما يدخل في جيبها الخاص.”
هذا الرد الحاد جاء من حامل الجنسية السويدية، بعد سنوات طوال من الاغتراب عن العراق، (رائد الحمداني) قائلاً:
“ضريبة الانفصال وامتيازاته المتاحة للمرأة على وفق القانون هي امتيازات ظالمة ومقزِّمة لدور الرجل، إن لم تكن لاغية لوجوده أصلاً. وفي الوقت ذاته محفزة لنزعة العدائية والاستعلاء عند النساء، كيف لا والمرأة المنفصلة تُسلَّم كارت الراتب العائلي وتمنح فوراً حق سحب البيت وإلقاء الرجل خارجه، ولها الأولوية أيضاً بحق حضانة الأطفال. أضيفي لذلك كلهِ أنها تأخذ شهرياً حق النفقة التي تُقتطع من راتب الزوج بنسبة الربع تقريباً.
إذاً ما الذي يجبر النساء على تحمل الشريك الدائم، ولاسيما إذا ما افترضنا أن الكثير من النساء هناك لا يقدسن فكرة الرباط الأبدي، وصارت نظرية استبدال آخر بالزوج رائجة. ولا أعرف ما علاقة نجاحها بالانفصال والشخصية القوية، وجميعنا نعلم أن القوانين الخاصة بالنجاح لا تقف عائقاً أمام أي إنسان، رجلاً كان أم امرأة، اذا ما أراد تطوير هدفه. غير أن السبب الحقيقي لكلِ ذلك هو عقدة السيدة الشرقية الفاشلة التي ترى في إهانة الطليق والتنكيل به أمام الآخرين نوعاً من أنواع البطولة والشخصية القوية، علماً أن الخلاف وتقاطع وجهات النظر والتفاوت في الآراء يفترض أنها أمور بديهية داخل البيوت وليس من المعقول إقحام البوليس في كل شيء، بصراحة هنالك استسهال واستهتار نسوي في قضية تهديم البيوت.”
لقمة سائغة
“المرأة في بلادنا الشرقية جزء من المجتمع الذي يعاملها ككائن ثانوي، بل هامشي، وعلى عكس ما يدعي البعض، فكيف بالمرأة صاحبة التجربة الفاشلة؟”
الكاتبة العراقية (رشا الربيعي) ترى أن الفارق بين البيئات موجع على أمتنا النسوية المضطهدة، قائلة: تجاربنا المحكومة بظروفها الخاصة تكسرنا بدلاً من أن تقوينا، خذي مثلاً المنفصلة التي تتحول بين ليلة وضحاها إلى كيان مهزوز وضعيف ومنسحق إنسانياً واجتماعياً في نظر المجتمع، وليست أكثر من لقمة سائغة بإمكانه تناولها متى وكيفما شاء، فلا قانون يردعه ويحاسبه لو اشتكته، هذا إذا سمحت لها عائلتها بتقديم شكوى أساساً. لذلك تضطر المرأة لإخفاء انفصالها بكثير من الأمكنة كي تحفظ بذلك كرامتها التي تهدرها العائلة والمجتمع على حد سواء. أما مسؤولية كل ذلك ومن يتحملها فهذا يقع على الجميع، وفي مقدمتهم المرأة ذاتها ثم المجتمع والقانون. فمثلاً المرأة غالباً لا تتقبل فكرة أن يرتبط ابنها أو شقيقها بامرأة منفصلة وتعدّ ذلك تنازلاً لا يغتفر لو تمت الزيجة، كما أنها تخشى على زوجها من أن يكون على معرفة بإحدى النساء المطلقات سواء أكانت زميلته أو حتى جارته لأنها تعدّ المرأة المطلقة مثل قطعة نقدية منسية على قارعة الطريق، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماماً لأن المرأة المنفصلة أشجع منّا جميعاً لأنها لم تتحمل أن تكون امرأة تابعة لظل ذكر شرقي يفرغ فيها شهوته وحين ينتهي منها يعاود إفراغ عقده النفسية المتوارثة، أما القانون فهو أحد أهم المتسببين في سلب حقوق النساء عامة والمنفصلات خاصة، ولاسيما في وقتنا الحالي، إذ لا قانون سوى لرجل الدين وشيخ العشيرة والانفلات المسلح لكل من هبّ ودبّ، إذاً فالجميع يتحمل وزر ما يحصل لنا.
قوانين مشوَّهة
“المرأة التي تواجه تجربة زوجية غير ناجحة ستجد صعوبة بالغة، إذا لم تكن مستحيلة، في الحصول على بداية جديدة مع رجل آخر!”
من العاصمة الهادئة أمستردام، فاجأتنا السيدة العراقية المغتربة (بشرى عباس) بهذا الرأي المعاكس، قائلة:
“لست من النوع الذي يرى في تمرد المرأة وسحق الرجل المخطئ نوعاً من أنواع البطولة، حتى لو كان الخلاف مرتبطاً بمعارك قديمة تختزنها ذاكرة الكثيرات ممن قدِمن مؤخراً لبلاد الحريات، أعرف كثيراً من السيدات اللواتي تشوهت شخصياتهن بعد تجربة الانفصال تشوهاً غريباً ولا أجد لذلك أية صلة بقوة الشخصية، كما يدّعي بعض الناس، بل على العكس صرن أكثر احتقاراً واستهتاراً بقيمة ذلك الرباط المقدس. القوانين الأوروبية وضعت على مقاس سكانها الأصليين، لا سكانها الوافدين، لأن الرجل شريك ومكمل لحياة المرأة ولا يحق لأي قانون إقصاءه ووضعه في زاوية البعبع ومقاضاته قانونياً على الصغيرة قبل الكبيرة، أنا ضد فكرة إقحام السوشيال والأطراف الرسمية أصلاً في أبسط الخلافات وتهويلها على هذا النحو، لقد تحولت تلك الحريات المشوهة إلى حروب نفسية خاسرها الأول والأخير هي المرأة.”