أ.د.قاسم حسين صالح/
في العام 1987 استدعتني مديرية شرطة بغداد لقضية علمية هي وجود شباب (مخنثين) بالتعبير الشعبي، ومصابين باضطراب الهوية الجنسية بمصطلح الطب النفسي، وذلك لدراستهم علمياً وتقديم المشورة العلمية لوزارة الداخلية في كيفية التعامل معهم.
في 2010 قامت مجموعة مسلحة او ميليشيا بقتل شباب من هذا النوع بطريقة بشعة بأن سدوا فتحات مخارجهم وقيدوهم وراحوا يستمتعون برؤيتهم يموتون. ومن منطلق مسؤوليتنا العلمية فأننا كتبنا مقالة بعنوان (طنطا) وصفنا فيها الحدث بأنه جريمة وإن هؤلاء من اختصاص الطب النفسي، فجاءنا تحذير بتهديد.
الآن وفي 3 تموز 2017 يقتل الشاب (كرار) بالحجة نفسها مع أنه وصف من الذين يعرفونه بأنه ممثل ومثقف وكل (جريمته) شعره طويل وهو يتأنق بملابس تبدو للبعض..ملابس بنات.
تحليل سيكولوجي:
في كل مجتمع هنالك بعض الأفراد مصابون باضطراب الهوية الجنسية ( Gender Identity Disorder)، وتعني تحديداً” إن الفرد من هؤلاء يشعر أنه ولّد في الجسم الخطأ. فالولد يشعر نفسياً” أنه أنثى ولكنه مولود في جسم ذكر، وهنا يحصل اضطراب بين هويته النفسية ومشاعره الأنثوية وبين هويته البايولوجية وما مطلوب منه التصرف كرجل، والشيء نفسه يحصل للفتاة المصابه بهذا الأضطراب، حيث تشعر في داخلها إنها رجل ولدت في جسد أنثى.
وحديثا أصبح هذا المصطلح غير متداول لأن بعضهم يعدّه عدواناً فاستبدل بمصطلح ( Gender Dysphoria ) للتخفيف، وصار يعني الشعور بعدم الرضا بين الهوية الجسدية والمشاعر الجنسية، او عدم التطابق بين هوية الجسد (كرجل) وانفعالاته العاطفية(كرجل). ولأن هذه الحالة تكون ثابتة وشديدة، فأنها تكون مصحوبة بالتوتر النفسي والقلق والاكتئاب.. ورغبة ملحة في تغيير جنسه. فالشاب المصاب بهذه الحالة يرغب بشدة في أن يتحول الى فتاة برغم أنه يمتلك عضواً ذكرياً وشاربين.
ما يقوله العلم.
الدراسات السيكولوجية توصلت الى أن هذا (الاضطراب) يحصل بعمر سنتين إلى أربع سنين. فالطفل الذكر يميل إلى اللعب بألعاب الإناث (عرائس مثلا)، وتكون تسريحة شعره وثيابه شبيهة بما تفعله الإناث، فضلا عن ان حركاته وتصرفاته تكون انثوية. والعكس يحصل فيما يخص الطفلة الأنثى حيث تميل إلى الألعاب التي يمارسها الأولاد (المسدسات مثلا) والتصرف في المظهر والسلوك كما لو كانت ولداً.
واذا لم تتم معالجة هذه الحالة في الطفولة، فان المصاب/المصابة به يستمر في مراحل المراهقة والشباب والرشد.. وهنا يواجه الفرد مشاكل أسرية واجتماعية ووظيفية ويعيش معاناة قاسية لاسيما في المجتمعات التي تعد الولد (مخنثا) والفتاة (مسترجلة).
الأسباب:
تفيد البحوث السيكولوجية بأن هذا (الأضطراب) يمكن أن يحدث او يظهر في أية مرحلة عمرية(طفولة، مراهقة، شباب، رشد) وان أعراضه تختلف من مرحلة عمرية الى أخرى. وتتفق على ان الأسباب الحقيقية لم يتم التوصل اليها بعد. فالنظريات القديمة تحدثت عن خلل هرموني، وأخرى تعتقد بوجود تأثيرات هورمونية داخل الرحم، فيما تشير الدراسات الحديثة الى أنه لا يوجد اضطراب في مستوى الهرمونات الذكرية في حالات الأطفال أو الكبار الذكور الذين يعتقدون ويشعرون أنهم أناث.
توصية علمية لمن يعنيه الأمر.
ما يوصف بـ(المخنثين) لا ذنب لهم فيما صاروا عليه، فهم نتيجة سببين:
الأول:الأسرة في أساليب تنشئتها للأطفال لاسيما الأولاد، وتحصل في حالتين: اما التباهي بالطفل كم هو جميل واطالة شعره واطلاق العبارة العراقية المشهورة(الله شكد حلو ..عبالك بنيه)،او حين يأتي الطفل الولد بعد أربع خمس بنات، فتلجأ الأم الى ان تجعله يبدو للآخريات كما لو انه بنت في تسريحة الشعر والملابس.. دفعاً للحسد.
والثاني: إنهم جاءوا بتركيبة بيولوجية وهورمونية ونفسية خاطئة، بمعنى (ان ربهم خلقهم هكذا).
هذا يعني ان (المخنثين) كالمرضى الذين لا يكونوا مسؤولين عن مرضهم، وان قتلهم يعد جريمة يحاسب عليها القانون . وان التعامل الصحيح يكون بتحويلهم الى الأطباء النفسيين في العيادات النفسية بالمستشفيات العراقية، وهم الذي يحددون طريقة التعامل معهم اما بالارشاد والعلاج النفسي، او باحالتهم الى مستشفى الرشاد في بغداد، او بتحويلهم الى الأطباء المعنيين بجراحة الأعضاء التناسلية.