رنيم العامري/
من غير المعتاد أن يمر على الطبيب يوم اعتيادي خالٍ من الطرائف والغرائب والمواقف العجائبية والمفزعة ودائماً الجديرة بالتذكر، ذلك بسبب عمله الذي يجعله قريباً من حافّتي العمر، وشاهداً على لحظات خالصة من عمق الوجود الإنساني. أطباء شهدوا حوادث ووقائع وخبروا علامات الدروب البشرية، بداية ونهاية، فالطبيب شاهد على أنقى وأقصى وأوضح لحظتين في حياة الإنسان: الحياة والموت.
مدونون وكروبات مغلقة
هنالك كثير من الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن هذا النوع الخاص من الأدب، مذكرات كتبها أطباء عن سنواتهم بين طيتيّ كتاب الحياة، مثل مذكرات نوال السعداوي وكمال السامرائي وسانحة أمين زكي وعلاء بشير وسواهم.
وإذا اعتبرنا أنّ الكتابة والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي هي أيضاً نوعٌ من أدب اليوميات لكن بصيغة أكثر حداثة، فإنّ فيسبوك يحتوي اليوم على كثير من مدونات أطباء ومجموعات مغلقة وعامة، يكتب فيها المدونون، وهم عادة من الأطباء أو الصيادلة، عن أحداث يومياتهم الجديرة بالنشر. وتخبرني شقيقتي الطبيبة عن مجموعة مغلقة (كروب) على فيسبوك يشترط القائمون عليها أن يكون العضو الذي يطلب الانضمام إليها طبيباً معرفاً بالتزكية، حفاظاً على سرية هويّة أصحاب المهنة ومعلوماتهم الخاصة. يكتب الأطباء المنتمون إلى هذه المجموعة أحداث يومياتهم المميزة الطريفة وحتى الحزينة، التي تثير الضحك مرة والعبرات مرات. وهناك أيضاً كثير من المدونات الإلكترونية الشخصية التي توجد على الإنترنت، مثل مدونة الشاب (أحمد عاطف) وهو طبيب عظام مصري يمتلك صفحة على فيسبوك بنفس الاسم بالانكليزية (Ahmed Atif)، ولأنني أميل شخصياً إلى حس السخرية المصري والنكتة المصرية الذكية واللماحة فإنني أواضب على قراءة ما يكتب في مدونته، وغالباً ما أجد نفسي وأنا اقرأ، غارقة في نوبة ضحك تنتهي بالدموع.
الاقتصاص العشائري
فيما يحسد بعضهم حظوة الأطبّاء ومكانتهم الاجتماعية، فإنّ حيواتهم ليست دائماً سعيدة، فأطباء العراق بالذات لهم مواقفهم الخاصة التي قد تصل إلى حد التهديد بالقتل في بلد لا يؤمّن الحماية لمواطنيه، في ظل سطوة قانون الغاب.
يحدث أحياناً أن يكون الطبيب، ومن سوء حظه، أداةً لتنفيذ إرادة القدر المحتومة، وقد يأتي الموت بهيئة “قضاء وقدر” في مستشفى آخر في بلد آخر تسوده الأنظمة والقوانين، لكن في العراق في ظل سطوة العشائر وضعف القانون لو حدث ومات مريض في أجلٍ محتوم فسيكون هذا سبباً للاقتصاص العشائري من الطبيب المنحوس الذي عالجه. وكم سمعنا ورأينا أطباء معروفين خُطّت على جدران بيوتهم باللون الأحمر عبارة (مطلوب عشائرياً) أو (مطلوب دم). وفي هذا قرأتُ قبل أيام على فيسبوك، موقفاً مما يصلح أن يقع تحت تصنيف (شرّ البلية ما يضحك)، والموقف كالتالي: “إنّ طبيباً استقبل حالة مرضية لطفل عمره ثلاث سنوات يعاني مما يُعرف بـ(الخصية الهاجرة) وهي مشكلة تواجه بعض المواليد الذكور عقب الولادة، هي عبارة عن خصية لم تنزل إلى (كيس الصفن) قبل ولادة المولود الذكر، وهي حالة شائعة بعض الشيء. وفي معظم الحالات تحل المشكلة من تلقاء نفسها خلال الأشهر الأولى من حياة الرضيع. أما التي لا تنزل من تلقاء نفسها إلى المكان المعدّ لها، فبالإمكان معالجتها بعملية جراحية يتم خلالها نقل الخصية إلى داخل الصفن. في العودة إلى الطبيب العراقي سيئ الحظ الذي استقبل مثل هذه الحالة، فإنه أجرى عملية لإنزال الخصية كما هو متعارف في علاج الحالة، ولكنه وجد خصية الطفل ذي الثلاث سنوات ضامرة، فأبلغ أهل الطفل أن واحدة سليمة كافية للإنجاب في المستقبل. غير أنّ والد الطفل أخذ ابنه وتوجه إلى الهند لمتابعة الأمر، فأخبروه هناك إنّ خصية الطفل المعلقة سليمة ولكن الطبيب العراقي الذي عالجه قام بإتلافها، فعاد والد الطفل وفي نيته أن يقتص من الطبيب عشائرياً في (كعدة فصل)، تقرر فيها إنّ على الطبيب أن يدفع مليار دينار عراقي جراء ما أحدثه من ضرر، وهي جزية (خمسة زلم مستقبليين) سيحرم منهم الطفل، فمعدل مواليد هذه العشيرة في العادة خمسة من الذكور، والطفل كان سينجبهم حتماً حسب رأي شيخ عشيرة الأب المستقبلي لولا الضرر الذي أصابه من إهمال الطبيب!
وبعد جدلٍ طويل وكثير من الـ(هاي لخالك وهاي لعمك)، تقرر أن يفض الخلاف ويدفع الطبيب مبلغاً قدره ثلاثمائة مليون دينار!
طرائف
قلتُ أنّي قرأتُ في المدونات كثيرا من المواقف الطريفة التي تعرض لها أطباء أثناء عملهم، وسأكتب بعضاً مما وجدته يدفع للابتسامة، مع تحفّظي على ذكر الأسماء للحفاظ على الخصوصية:
ـ يقول صيدلاني: “دخلت بنت صغيرة إلى الصيدلية وفي يدها كوب زجاجي وورقة في داخلها خمسة آلاف دينار، سلمتني الكوب والورقة وهي تقول (أمي تكول خلي عمّو يقره الورقة)، فقرأت (لو سمحت أريد أعرف آني حامل لو لا، وأرجو الرد في الرسالة، نعم أو لا).. ولا داعي لأن أقول أن الكوب الذي كان يستقر في راحة يدي الآن يحتوي على بول!
ـ يكتب طبيب: “إنّ والد الطفلة زينب أتى برفقة ابنته المريضة، ولأني كنتُ أحاول أن أفتح حديثاً ودياً مع الطفلة فأخبرتها وأنا أمسد رأسها (شلونها الحلوة زنوبة؟)، فقال الأب (والله دكتور احنه كلش نعزّك وكل مرضانا يمك نجيبهم.. لأن إنت الله يستر عليك شويه سفيه وتتشاقه ويحبوك). فأجبت بابتسامة، يقول الطبيب، مثل بلاع الموس (ولو أبو زنوبة.. بالخدمة يمعود).
ـ يكتب صيدلانيّ آخر: اليوم بالصيدلية كان أكو حباية دوه باقية على الميز واكعة بالغلط، إجاني مراجع يسأل على عنوان طبيب، واثناء الحجي أخذ الحباية وبلعها، كتله يمعود هاي شسويت!.. جاوبني: عمي هو علاج.. أكيد يطيحله على علّة.