آمنة المحمداوي/
حقيقة لا أعرف ما الحكمة من (تغليسة) أم العيال النكدية والزوجة الغيورة التي لا ينقصها شيء لكنها تغض البصر عن بطولات زوجها الذكورية مع زميلتهِ اللعوب في مكان العمل لأنه -في نظرها- طير حر و(نسونجي) بروح خضرة، فمهما لعب بذيله سيعود للبيت بلا زوجة ثانية ولا حتى يفكر بهجرها لدقائق.
بالمقابل ما الذي يجبر المرأة السريَّة أن تكون جارية في الظلّ وتجلس في مقعد قلب الرجل الخلفي كاللصوص دون شعور بالذل أو أي أدنى تذمر باعتبار أن زوجته العلنية المفروسة منها مخصصة للنكد وطبخ الدولمة وغسل ملابس العيال.
ظل لا مهرب منه
طبعاً، كلنا يتذكر الصورة الدرامية التي سوقتها الشاشة حينما يموت الرجل الثري فجأة فتظهر في مجلس عزائه سيدة جميلة بعمر صغير لازمته طوال سنيّه في الظل لتصدم الجميع وتبدأ بمعركة الميراث.. هذا السيناريو صادفنا بالحقيقة في حكاية سيدة ثلاثينية جميلة جاذبيتها كفيلة بجعل كل رجال الدنيا يلتفون حولها طلباً للرضا العلني لا السري، كما تعتقد، قياساً لوضعها في خانة الأرملة، الذي ضيع عليها فرصة الارتباط العلني لأنه أمر لايستسهله كل الرجال من قبل زوجاتهم ولا أهاليهم يقبلون به، إنما التفكير هنا يكون محصوراً “بالظل”.. تقول (ل.س) :
“مُنذ وفاة زوجي المبكرة وأنا مجرد امرأة جميلة تثير حفيظة كل رجل تصادفه، سواء في العمل أو الشارع أو الأماكن العامة، فبمجرد أن يعرف الآخر أنني بدون زوج تجدينه يعرض كل إمكانياتهِ الرومانسية واهتمامه وحبه الجارف مقابل نزوة عابرة، لا أنكر انني ارتبطت برجل ثري متزوج ويكبرني بخمسة عشر عاماً، أملاً في العثور على زوج كباقي نساء الدنيا، لأن فرصة الحصول على أعزب مستحيلة، لكنه رفض الزواج العلني واتفق مع والدتي على الزواج سراً، وكان شرطه أن لا تعلم زوجته نهائياً. طبعاً البدايات تكون عادة وردية، ولكن ما إن يتعلق الأمر بالاتصال العلني او الخروج أمام الناس، هنا تختل لديه كل الموازين وتنحصر التضحيات بجانبي فقط، ويظهر المعدن الحقيقي للشريك. أول ما يجري التنازل عنه هو أن أتحول برقم الموبايل من امرأة الى رجل! أما الخروج للتنزه -ككل زوجين- فستأتي الطامة الكبرى وهي أن الأماكن العامة عرضة للمعارف والأصدقاء، وبالتالي فإن الخيار يكون في أمكنة خاصة لا يرتادها سوى الخائفين والهاربين من عقاب ما. إذن، فعلاقات الظل المشروعة هنا هي أمر مفروض علينا مُسبقاً، مع أن القرار بيد المرأة، ولكن لابديل عنه سوى الاختناق او تكرار الفشل او البقاء لكآبة آخر العمر.”
فتنة الرجل الجذاب
قصّت لي تفاصيل نسوية مخزية عن علاقات زوجها النسائية المتعددة، وكيف أن إحداهن هاتفتها في فترةِ نوم زوجها معتقدة أنها أخته الكبيرة، فقصت عليها الليالي الحمر مع أبي العيال!
وهي منشغلة بالسوالف، السيدة (هناء إبراهيم) سخرت من اللواتي يخطفن الرجال ويتوددن للمتزوج كاللصوص، قائلة:
“نساء الظلّ نماذج محتقرة، ولسن أكثر من نزوة جسدية، وطالما يعود زوجي آخر الليل إلى حضني فلا يهمني ما يفعله طوال النهار من عبث.” تلك المقولة أورثتها لي والدتي وطلبت مني أن أعلقها (ترچية) بأذني، شخصياً لا يستفزني وجودهن في حياة زوجي الخفية، والأمر بالنسبة لي لا علاقة له بالخيانة، وإنما لماذا لا أعترف أن زوجي رجل جذاب ومثير لباقي النساء فيلاحقنه، ولاسيما المطلقات والأرامل اللواتي لا يعبّرهن أحد، وطالما أنه يفعل ما يحلو له دون الإضرار بالبيت ولا يأتي لنا بشريكة، إذن فكل أفعاله مباحة، وانا في الحقيقة اعتدتُ على تأخيراته وسهراته، وأصبحت طنطنة الموبايل ومكالمات الليل المكتومة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، بل إنه في إحدى المرات كان نائماً وأجبت على الاتصال، فظنت المتصلة أنني أخته، إذ قصّ لها عن رغبته بالزواج للمرة الثانية والتخلص من زوجته البومة.. وهي أنا!
وهم السيطرة الذكورية
أستاذ الطب النفسي الدكتور (إحسان المالح) فكك الجانب السيكولوجي لطبيعة الرجل (النسونچي) ودوافعه، قائلاً:
“في العيادة النفسية نجد عدداً من النساء ضحية لهؤلاء الرجال، وهن يشكين من صدمة عاطفية وأعراض اكتئابية متنوعة، ويجد هؤلاء الأشخاص ضحاياهم في الأوساط الاجتماعية العادية وأوساط العمل المختلطة وفي وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، وبعضهم ذوو ثقافة متدنية وآخرون ذوو ثقافة عالية، وهم يعرفون طريقهم إلى المرأة وبسرعة، وهم غير مبالين بها ولا يتعلقون عاطفياً بها كما الآخرين، بل يعتبرون المرأة (لعبة) أو (شيئاً)، وربما تعودوا السيطرة على المرأة من خلال الدور الذكوري في الثقافة الاجتماعية الذي يتعزز بوسواس السيطرة (Control) لأسباب متعددة، منها أن السيطرة على المرأة تعد بطولة ذكورية، وربما يعكس ذلك عدم الأمان الداخلي الذي يدفع الشخص إلى السيطرة على كل من حوله، إذ أن وهم السيطرة يعطيه راحة وأماناً.”
رجل واحد وامرأتان
“لا أحد يفكر بقيمة الغذاء الروحي وخصوصية الفراش الزوجي والجسدي، وانما القضية في نظر المعترضين حاجة وقتية..” بهذا التحليل بدأت الباحثة الاجتماعية (رفل الساعدي) حديثها:
“نساء الظل والعلن وتهمة التنكر والخديعة الزوجية الموجهة من النساء للرجال وبالعكس حول نكث الوعود ونكران سنوات الزواج، كل ذلك أفرز وضعاً زوجياً غامضاً، وبالتالي اعتبرت البدائل كعلاقات الظل هي الحل الأمثل، أو كحق مسلوب، وأصل الأسباب الحقيقية لتلك الجدلية الثلاثية ما بين امرأتين ورجل يشترك في رسم عذاباتهما، لكن السؤال هنا هو من يملك قوة الاعتراف على نفسه الخطّاءة ويفتح صفحة جديدة للاعتراف ومصالحة الذات، وطالما لا نجد أحداً، لذلك نلاحظ التعرج في سياق العلاقات، فمرة تتحول الزوجة الى قطعة أثاث منزلية خالية من المشاعر التي كانت تكنها للزوج وحبيب الأمس، وكأنها كانت تسعى قبل الزواج خلف وجود سقف وليس حياة مشتركة، وبذلك فهي من حيث تشعر او لا تشعر تشترك في عذابها وهدم حياتها، الى جانب وجود بعض الرجال في المقابل يتنكرون لوفائها وإخلاصها، وعندما تخطئ ويلتجئ الى غيرها تجري محاسبتها على آخر المواقف فقط، وبالتالي هم يشرعنون تكديس الجواري، بل حتى الحلال والحرام هنا أصبحا يفرزان وفقاً للأمزجة، وبالتالي فإن الرجل في المجتمع الشرقي سيعفى من اللوم إذا ما ارتبط سراً وفضح أمره، والمرأة هي التي توصم بكونها (خطافة الرجال)، علماً أن مجتمعاتنا النسوية لا تدرك قيمة الغذاء الروحي وخصوصية الفراش الزوجي والجسدي للوحيدات وضرورة التفكير ببدايات سرية جديدة خارج السرب وإنقاذ العائلة على الأقل، وإنما يعتبرن القضية حاجة وقتية مهينة لمن تلجأ اليها، لذلك لا يطلبن الانفصال ولا يعتبرن الظل بحياته خيانة”.