ذوالفقار يوسف /
من الربيع أخذ أواصر الإبداع ليحكمها بقبضته، وتنازل عن المألوف في الخوض بتصميماته التي لاقت إعجاب الشرق والغرب، إذ وصفت مجلة “فوغ” العالمية أحد تصاميمه بأنه أيقونة الحقائب العالمية، فقد تميز بكلاسيكية بابل وحضارتها، وعاصرت أنامله أوروبا، بالوان وتصميمات تحمل اسم العراق وشعبه المميز.
كان لمجلة “الشبكة العراقية” حوار خاص مع مصمم الأزياء العالمي حسين حربة:
بابل
* بابل.. تلك المدينة ذات الطيبة المطلقة، كيف أخذت بيد حسين حربة ليسمو بهذا الألق؟
– بلا شك، أن البعد التاريخي لهذه المدينة وفكرة أنها منبع أول حضارة انسانية، قد رسخ شعوراً في داخلي هو مصدر فخر دائم لي، أعطى قيمة إضافية لكل منجزي.
* اوراق ينيرها القمر، وأخرى منتعشة بجلباب الربيع الساحر اختزلتها ألوان تصميماتك، فما أهمية الألوان لك؟
– لا يمثل اللون لي تعبيراً جمالياً أو كمالياً فقط، وإنما هو تعبير عن شعور إنساني تمتزج فيه السعادة، والحزن، والفرح، والألم معاً. وفي بعض الأحيان، تتغير مشاعر كثير من الناس بمرور الوقت أو ربما حتى يومياً، ويتأثر قربهم أو بعدهم بحب الألوان وتقبلها. وأنا بصورة عامة، لدي ستراتيجية أتبعها في تصاميمي كي تعبّر عن حديقة ربيعية، فالربيع يمثل لي رمزاً للسعادة والاطمئنان والأمل، وأعمل لتكون فصول السنة كلها ربيعاً في نظر الناس.
جذور حربة
* دقتان في جرس حسين حربة، بغداد وفائق حسن، فماذا تعني لك هاتان الدقتان؟
– أول لوحة اقتناها والدي رحمه الله كانت للفنان الكبير فائق حسن، وكان عمري آنذاك لا يتجاوز الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، وكانت لوحة عن الخيول. أما بغداد وبابل فهما مدينتان تتميزان بإرثهما الحضاري والتاريخي الكبيرين، وكلاهما شكل جذوري.
بداية الإبداع
* لكل هدف توجهات ترافق الخطى، ماهي تلك البوصلة التي جعلتك تحترف الوصول إلى هذا التألق؟
– إنه تحد مستمر رافقني منذ طفولتي، فنحن لسنا أقل ذكاءً أو مقدرةً مما يسمى بـ “العالم المتحضر”. ومنذ وصولي إلى الغرب عام 1979، ودراستي الهندسة المعمارية وتخرجي منها، أيقنت صعوبة العودة إلى العراق بسبب الحرب العراقية- الإيرانية. لذا فتحت مكتباً للتصميم وقررت في داخلي أن يكون لي موقع مهم أو أن أكون أو لا أكون، وقررت كذلك أن أبدأ من مستوى مهم في عالم التصميم العالمي. فبدأت فوراً بالتعامل مع كبار الشركات العالمية، ولحسن حظي رحبوا بتصاميمي، وهنا كانت البداية التي تفرعت وتشعبت ووصلت إلى عالم الموضة.
* تملي السماء روح الابتكار في القلوب، فكيف جمعت بين التصميم والهندسة المعمارية؟
– في النهاية، أن الفكرة الأساسية في العمارة هي إنتاج الجمال، ولكن بطرق علمية، وهذا هو اختلافها عن الفن التشكيلي. لكن وجودي في إيطاليا التي تنتشر الأبنية التاريخية في معظم مدنها، جعل فرص العمل في العمارة التقليدية تكاد تكون مستحيلة. فممارسة المعماري لعمله تعتمد على ترميم الأبنية بسبب كثافة البناء التاريخي، بالإضافة إلى المعايير الهندسية الموضوعة للمحافظة على البناء. لهذا يكون عمل المعماري محدوداً في ايطاليا لأنه يتعامل مع قطع تاريخية يجب الحفاظ عليها قانونياً وثقافياً، وأنا بطبيعتي أحب أن أكون حراً في التصميم، لهذا اتجهت إلى التصميم في الموضة، أو كما يطلق عليه هنا “object art”، والتصميم الصناعي مثل الأثاث، والقطع المنزلية، والمجوهرات، فهي تعطيني الحرية الكاملة لتصميم ما أريد بدون قيود.
في عام 2001 اختارت المؤسسة الوطنية التي تدعى “ايطاليا التي تعمل” مكتبي كأبرز مكتب في ايطاليا لتميزه في اختصاصه، ومنحته تقييم اسمه “الألفية الثالثة”.
مايكل أنجلو
* أينعت قوى الإبداع لتخلق 150 قطعة فنية أو أكثر، فما هي طموحاتك التعبيرية؟
– بصراحة صممت أكثر من 200 تصميم لبعض الشركات العالمية، وقد أنتجت هذه الشركات منها ما يقارب 200 ألف قطعة موزعة في جميع قارات العالم، وهناك صحفي أميركي كتب: “أن هناك احتمالاً كبيراً أن يكون عدد الذين شاهدوا هذه التصاميم أكثر بكثير من عدد الذين شاهدوا أعمال مايكل أنجلو”.
* الغربة والوطن كما السماء والأرض، متضادان، فما الذي جمع بينهما في روح حسين حربة؟
– انتجت الغربة روحاً غير مستقرة، ولسوء الحظ لا أستطيع أن أقر الانتماء الكامل إلى هنا، لأني ما زلت أحن إلى زمن طفولتي، وفي لحظات أتمنى أن أعود إليه، وأتمنى لو أن الوقت لم يتغير، فالكثير من الناس يقولون إني انسان ناجح في الغرب ولي تصاميم وعروض في مواقع مهمة، وعلى الرغم من صحة هذا، ثمة شيء لا يستطيع الإنسان التحكم فيه وهو الروح والإحساس. ما زالت روحي عالقة بنهاية السبعينات.
أيقونة الحقائب العالمية
* خاصية الجذب هي ما تتحكم في أساس المصمم من ناحية التسويق، فما هي خاصيتك في هذا الجانب؟
– إن خصوصيتي في التصميم معروفة وهي حقاً مختلفة عن بقية المصممين، وهذا ليس غروراً وتكبراً ولكني بصراحة أصمم لروحي ونفسي، وليأتِ كل الباقي بعده… مع كل احترامي.
في أسبوع الموضة الأخير المقام في ايطاليا- ميلانو العام 2019، لاحظت أن المصممين الآخرين من أصحاب الماركات الكبيرة يقيمون عروضهم في قاعات مغلقة لا يدخلها إلا من معه دعوة خاصة، والجمهور ينتظر خارج هذه القاعات متأملاً أن يحصل على فرصة للدخول إليها، أزعجني جداً هذا الموقف، وكان من المخطط أن أعرض أنا أيضاً في موقع عريق جداً في قلب ميلانو، ولكن عند مشاهدتي لمنظر الجمهور خارج القاعة، قررت أن أنقل العارضات من القاعة المغلقة ليكون العرض بين الجمهور في الخارج، حتى أن أحد المواقع اسمه “سكوب امباير”، “Scoop empire”، كتب أن عرض حسين حربة يهيمن على عروض الموضة في ميلانو 2019 ويكسر القواعد المعتادة بتقديم عرضه في شوارع ميلانو، أما مجلة “فوغ” العالمية، فقد وصفت حقائب حربة بأنها ايقونة الحقائب العالمية.
* تحمل الحقائب، كما النفوس، الكثير من الأسرار، ما هو أسلوبك في بناء هذه التصميمات؟
– ما أركز عليه هو النوعية النادرة جداً ودقة الإنتاج، فالحقيبة هي البيت الصغير وما لها من دلائل شخصية واجتماعية وانسانية.
تورينو
* المدينة اللاذعة بالأناقة، كيف أضافت لك تورينو الإيطالية في توسعة أعمالك الفنية؟
– تعد مدينة تورينو العاصمة الصناعية لإيطاليا، وفيها نشأت أهم مصانعها العريقة، من شركة فيات إلى شركة أوليفيتي “Olivetti”، إلى الشركات العريقة لإنتاج الموضة، فأنا أعيش ضمن مساحة صناعية وتقنية، تساعد بلا ريب على إنتاج كل ما يخطر في بالك.
* لم يكن لكاهن الفن حدود في التطلع، فهل هناك نصيب لبلدك من هذا التطلع؟
– أنا أحمل اسم بلدي في كل أماكن وجودي وافتخر بالانتماء له.
* حال الفن في العراق كحال قناع أسود قد حان زواله، فما هي رؤيتك المستقبلية له؟
– إن انتشار الفن ونجاحه له عوامل مختلفة منها ما يتعلق بالحرية، والأمور الاقتصادية، وبالثقافة العامة والخاصة.
تنوع الابتكار
* كراسي وحلي ومجوهرات، جعلت من حسين حربة لا يبغي القيود الفنية، فكيف استطاع كسرها؟
– عالم الموضة عالم متشعب، وعندما تكون وسطه يأتي هذا التنوع تلقائياً، وحالياً أحضر لحقيبة جديدة، وكذلك لعطر يحمل اسمي استمر العمل عليه لمدة سنتين، وقد توصلت تقريباً إلى العينة التي أريدها.
* الكثير من المدارس المتنوعة في الفن، فما هي تلك المدرسة التي استحوذت على أنامل حسين حربة؟
– كنت متعلقاً بحركة الفن العالمية “Art nouveau”، وبالمدرسة المستقبلية “Futurism”، وكنت أحبهما كثيراً ولكن لم يؤثرا في أعمالي.
قلم وطاولة رسم
* التطور التكنلوجي كفيل بأن يجعلك ترسم بسهولة، لماذا اتخذت القلم أداة تحكم تصميماتك؟
– جزء من شخصيتي هو رفض ما تمليه علينا الشركات الكبرى، وتعلقي بالقلم وطاولة الرسم هو جزء من أسلوبي في العمل، ولن أغادره ابداً. هذا لا يعني أني لا أستخدم الحاسوب وبرامجه، لكني لن استغني عن القلم وطاولة الرسم فهما يمنحاني تصوراً حقيقياً للأمور.