حنّة الفاو “الليلة حنّته وباجر يزفونه”

ميساء فاضل/

معشوقة النساء المدللات، ولمسة الترافة الناعمة التي تُزين بياض كفوفهن المرهفة وكعوب أقدامهن المستديرة، نعومتها المثيرة النائمة في الحواف، وخطوطها الرشيقة المتمددة في باطن الكفوف لها القدرة على الفتكِ بأبصار الملوك والسّحرة، ونقوشها الغجريَّة الفاتنة ترسم حول صاحباتها هالة من (النزاكة) وحبّ الجمال الطبيعي الممزوج برائحة الأرض والطين الحرّي.

صبغة “الحنَّة” الساحرة المتجددة رغم أنفِ الزمان، هي لمسة التراث وأداة من أدوات الزينة والتجمل في المناسبات، ارتبطت بنعومة المرأة منذ قديم الزمان والولع بها مازال حاضراً وحداثوياً حتى يومنا هذا..
علاج فعال ولمسة هدوء
استخدمت الحنّاء منذ عصور في مصر القديمة لصبغ الجلد والشعر والاظفار، وكذلك الأقمشة، بما في ذلك الحرير والصوف والجلد. وتاريخياً، جرى استخدام الحناء أيضاً في غرب آسيا، بما في ذلك شبه الجزيرة العربية، وفي قرطاج وأجزاء أخرى من شمال وغرب ووسط إفريقيا وشبه القارة الهندية.
ويمكن اعتبار حنّة الفاو أشهر وأقدم الأنواع، إذ قترن اسم نبتة الحنّة بالفاو في محافظة البصرة، التي تعتبر آخر يابسة في العراق، التي اشتهرت بزراعة أجود الأنواع بسبب مناخها الملائم لزراعة مثل هذا النبات بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية في فصل الصيف، حيث يجري جمع الأوراق وطحنها لتصبح مسحوقاً ناعماً، لونه ضارب إلى الخضرة، ورائحته زكية، يحمر لونه إذا ترك في الهواء بعض الوقت، وبعد ذلك يستخدم في صبغ الشعر وتقويته ومنع تساقطه، ولأن الحنّة تحتوي على فوائد عديدة للشعر واظب الكثير من الناس على استعمالها، إذ أنها تحفز الشعر على النمو وتزيد من كثافته، كما أنها تقلل تساقط الشعر وتعالج قشرة الرأس وتمنع ظهورها وتقلل حكّة فروة الرأس، وذلك لاحتوائها على مواد مضادة للفطريات والميكروبات المختلفة المسببة لحكّة الرأس، كذلك فإنها تلوّن الشعر بشكلٍ طبيعي، فتساعد على إخفاء الشيب وتمنحه لوناً مميزاً، وأيضاً استخدمت في علاج الأمراض الجلدية كالدمامل وحَب الشباب والأكزيما والأمراض الفطرية والجذام والأورام والقروح، إذا ما عجنت وضُمَدت بها، وأيضاً استخدمت في علاج صداع الرأس. وعرفت الفاو بزراعة الحنّة منذ زمن بعيد، ويقال إن موطنها الأصلي كان في الهند، وإن ما يميز حنّة الفاو هو أن لها لوناً مميزاً براقاً، وأنها ذات رائحة هادئة.
الليلة حنته وباچر يزفونه
ومعلوم أن تقاليد وعادات الزواج في العراق لها خاصية جمالية منفردة، كما هـو الحال في بقية البلدان العربية، وهـي تختلف من بلد الى آخر، كما يزداد الطلب على الحنّة في المناسبات والأعياد والأعراس، إذ أنها تضفي السرور والبهجة على مستخدميها. وفي بلادنا تسبق ليلة الحنّاء ليلة الزواج بيوم واحد، وتقام في بيت العروس، حيث توضع الحنّاء في راحة يد العروس مع صديقاتها، وأيضاً نقش الحناء على كف اليد بأشكال مختلفة ونقوشات جميلة، إذ تنصب صينية كبيرة تتزين بالشموع البيض والياس والحنّة تتوسط الصينية مع كاسات من (الجكليت) والحلوى مع موسيقى الدفوف والأغاني المتنوعة وسط أجواء تملؤها الأفراح.أما في دار العريس فيقام حفل كبير بحضور الأهـل والأقرباء والمعارف والأصدقاء وسط فرقة موسيقية، ويقام هـذا الحفل في مكان مفتوح لاستيعاب جميع المحتفلين تحت هوسات “الليلة حنّته وباچر يزفونه”..
مسميات ومواطن لجمال واحد
ولو عدنا إلى مكونات الحنّاء ومشتقاتها، نجدها صبغة محضّرة من نبات (القناوية)، المعروف أيضاً باسم شجرة الحنّاء، وهي شجيرة من الفصيلة الخثرية، حولية أو معمرة، قد تعمر نحو ثلاث سنوات، وقد تمتد إلى عشر سنوات دائمة الخضرة، متفرعة، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار. ونبات الحنّاء شجيري معمر، له جذور وتدية حمراء، وساقه كثير التفرع والأفرع الجانبية ، أخضر اللون يتحول إلى البني عند النضج. وأوراق الحنّاء بسيطة جلدية بيضاوية الشكل بطول 3 _ 4 سم عريضة متقابلة الوضع بلون أحمر خفيف أو أبيض مصفر، والأزهار صغيرة بيضاء لها رائحة عطرية قوية ومميزة. وشجرة الحنّاء لها صنفان مختلفان، أحدهما ذو أزهار بيض والآخر بأزهار بنفسجية.
كما توجد منها أنواع كثيرة مثل: البلدي، والشامي، والبغدادي، والشاكية، وهو نبات يعتمد على الزراعة ويتطلب وفرة الماء، وورقه يشبه ورق الزيتون إلا أنه أصغر بقليل، ويزرع حالياً في عدد من بلدان العالم. كذلك اشتهرت الحناء بعدة أسماء قديمة (حنّة، حنّا، حنّاء) وفي الشام تسمى (القطب)، أما في اليمن فكانت تسمى (الحنون) وعند النوبة (الكوفرية)، ويمكن أن تشير الحنّاء أيضاً إلى فن الجسد المؤقت الناتج عن تلطيخ الجلد بالأصباغ.