دوافع كثيرة ومختلفة وراء العنف الأسري صراخ في (عش) الزوجية!

صالح الشيباني/

بعد إسبوع واحد فقط من “ليلة الدخلة” انكشف المستور، الزوج المسالم الحنون تحول الى وحش كاسر، والزوجة الرقيقة الناعمة اصبحت امرأة أخرى، النزاع بدأ حين تنافس الزوجان على (ذبح القطة)، كل منهما يريد ذبحها قبل الآخر، والقطة التي اصبحت هدفا لكليهما فرت الى المنزل المجاور بعد ان ارعبتها الصحون الطائرة في فضاء البيت.
قصص مؤلمة تشكل، على أرض الواقع، ظاهرة العنف الأسري التي تغلغلت في اعماق المجتمع واستهدفت النساء بشكل اساس.
دراسة ميدانية
استخلص باحث امريكي في دراسة شملت 90 مجموعة ثقافية تنتمي الى 60 منطقة جغرافية في العالم، ان مرتكبي العنف المنزلي هم في الغالب من الرجال وان العنف داخل الأسرة الذي يستهدف الشريك في اطار العلاقة الحميمية يعد من ابرز أشكال العنف انتشارا وهو ما بينه التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية.
ضحايا الزوج
تصف (أم نسرين/ 28 عاما) اسوأ يوم في حياتها بشكل درامي تحولت معه خطوط الرعب على وجهها الى أخاديد خوف عارم، تقول: قبل يومين تأخرت خارج البيت لقضاء بعض الحاجيات وحين عدت وجدته ينتظرني كالوحش، امسكني من شعري وجرني الى غرفة النوم وهو يصرخ في وجهي ويتهمني بالخيانة، وحين انكرت كبل يديّ ورجليّ بسلك كهربائي وربطني بالسرير ثم بدأ يضربني بوحشية لا مثيل لها، احضر السكين وبدأ يهددني بالقتل ان لم اعترف له بانني على علاقة بـ (فلان).
وتتابع: طفلتي الصغيرة (تمارة) بدأت البكاء وجسدها النحيل يرتجف وهو لا يلتفت اليها، لحظات شيطانية محملة بإيحاءات ضبابية وانا لا اشعر بهذا العالم بسبب سلوكه المشين، بعد ساعة فك رباطي ومزق ملابسي واحتجزني في غرفة مغلقة مدة خمسة أيام قبل ان اتمكن من الهرب.
زوج مخمور
الزوج المخمور ينهال على زوجته المسكينة بالضرب القاسي لانها لم تفلح في تشغيل مولدة التيار الكهربائي التي بللها المطر في حديقة الدار، والنتيجة المؤلمة، سن مكسورة في فورة غضب وساق محطمة اثناء هجوم وحشي وحياة خانقة وسط صراخ الرعب.
سيدة في ربيع العمر متزوجة منذ ثلاث سنوات ولها طفل وطفلة بدأت بسرد حكايتها، تقول (س.م.ص/ 34 عاما): بسبب الفرق الكبير بين راتبي وراتبه تفجرت بيننا النزاعات، اصبح شرسا معي عندما رفضت تسليمه النقود التي احصل عليها كل شهر، وبعد الضرب والخنق والإهانة انتقل الى اساليب أخرى لتعذيبي، يأتي مثلا بعد منتصف الليل ويوقظني من النوم لأعد له طبقا من (الدولمة) وهذا قطعاً يحتاج الى ثلاث ساعات حتى ينضج، ويفرض عليّ بالقوة ان اظل مستيقظة حتى ينام هو، واذا غفوت يضربني بأي شيء أمامه، الإغفاءة القصيرة يحتاج اليها جسدي المنهك فبعد ساعات قليلة عليّ ان انهض واوقظ طفليّ لاهيئهما للمدرسة واوصلهما اليها ومن ثم اذهب الى عملي، لم يفهم كل هذا.. اللغة الوحيدة التي يفهمها هي العنف.
تضيف: حين يدخل (زوجي) الى البيت مساء ننكمش من الخوف ولا ندري ماذا يخبئ لنا الليلة، اصبحت اعيش رعبا بكل معنى الكلمة، اخيرا اتخذت قراري وهربت من المنزل.
تقويم نفسي
خبير شؤون الأسرة د.محسن فخر الدين، اكد ان العنف حالة نفسية يتوارثها الناس من مصادر عديدة اهمها الأبوان وتمثل حوالي 70 % من حالات العنف، حيث يترعرع الطفل في بيئة اسرية تغذي دماغه بمشاهد العنف اللفظي كإطلاق الشتائم أو ممارسة العنف الجسدي كالضرب المبرح، فيتبنى الطفل ذلك ويؤمن بانها انجع واقصر وسيلة توصله للهدف، أما مصادر العنف الأخرى ونسبتها 30 % فتأتي من المدرسة ووسائل الإعلام.
نسأل د.فخر الدين عن طريقة تعامل الزوجة مع شريك حياتها الذي يمتلك نوازع العنف فيقول: وجدت من خلال ابحاثي ومشاهداتي العامة ان الزوج يتخذ من العنف سبيلا لعدم تمكنه من الحصول على ما يريده لمفهوم توارثه من بيئته، لذا ينصح الباحثون بتطبيق اجراءين حسب الحالة أو الحاجة: اولهما اجراء وقائي تتعامل المرأة من خلاله مع الزوج برقي وتقدير وثناء لتصرفاته الإيجابية مهما كانت صغيرة والتغاضي عن التصرفات السلبية، وعدم إظهار أي تعبير جسدي كالغضب أو ايراد السبب مقابل السبب.
أما الإجراء الثاني فيكون عند أول محاولة عنيفة من الطرف الآخر، عن طريق اظهار الألم والإستغراب من هذا التصرف غير الراقي من شخص راق، واذا كان العنف جسديا فيجب ايقافه فورا وبحزم عن طريق الإمساك بيد الشريك واسداء النصيحة له بعدم تكرار ذلك.
دوافع ونصائح
أستاذ علم الاجتماع احمد محمود الربيعي يلخص دوافع العنف الأسري بـ : (دوافع الذاتية/ وتنبع من ذات الإنسان ونفسه وغالباً ما ترتبط بمشكلة نفسية)، و(دوافع اقتصادية/ اذ لا يروم الأب في محيط الأسرة الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف مع أسرته، إنما يكون ذلك تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر التي تنعكس آثارها بعنف من قبل الأب) و(دوافع اجتماعية/ وسببها العادات والتقاليد التي تتطلب من الرجل قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف والقوة).
وبحسب الربيعي فان كل هذه الدوافع تتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، خصوصاً الثقافة الأسرية، فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى تنعدم في المجتمعات الراقية، على العكس المجتمعات ذات الثقافة المحدودة.
وينصح الربيعي بمساعدة بعض ضحايا العنف الأسري عن طريق (تعليم النساء والأطفال على تطوير خطط الأمان لديهم داخل المنزل وخارجه) و(التعاون مع منظمات المجتمع المدني المختصة برعاية الأسر والأطفال لإيجاد حلول تتوافق مع كل أسرة على حدة).
رادع قانوني
من جهتها تحذر المحامية (رغد ابراهيم سالم/ ناشطة قانونية وعضو سابق في محكمة الأسرة، من مغبة الاعتداء على الزوجة من قبل الزوج والحاق الضرر الجسيم بها، لان ذلك سيعرضه الى المساءلة والعقاب اللذين يرتبطان بمقدار الضرر ويستطيع القاضي تكييف الدعوى على انها جنحة أو جناية ولكل منهما عقوبة خاصة.