وليد خالد الز يدي
أبناء ضعيفو الشخصية، فاقدو الاتزان، هذه بعض نتائج شجار الأزواج الذين يحولون بيوتهم الى حلبات للتنازع، ويختلفون في كل صغيرة وكبيرة، ومن دون أن يعلموا، فإن نتائج سلوكهم يمكن أن توفر أرضية رخوة ينزلق بسببها الأبناء نحو مستقبل ضبابي مجهول.
بعض الأزواج الذين يثيرون الخلافات بأصوات صاخبة، ويرسمون صور الغضب والعنف وإثارة البغضاء أمام أبنائهم, إنما يؤسسون لمستقبل فوضوي, معنف, إذ يخطون أمامهم مشاهد الفوبيا, بدلاً من وضعهم على طريق السعادة والمحبة, فتضعف شخصية كل منهم إزاء مغريات او مصاعب الحياة, ما يفضي بالتالي الى اليأس.
خامات بريئة
يقول فلاح كامل، وهو عسكري متقاعد، إن “من واجب الزوجين الانتباه الى علاقتهما فيما بينهما، وإدراك انعكاساتها غير السوية على الحالة النفسية لأبنائهما, إذا ما كانت علاقة غير سليمة.” ويؤكد كامل في حديثه لـ “الشبكة” أنه “من اللائق إبعاد الأطفال عن مشاكل الزوجين، لكي لا تتسبب لهم بعقد نفسية هم في غنى عنها, فمهما كانت المشاكل بينهما فإن عليهما إبراز الوجه الإيجابي أمام أبنائهما لأنهم خامة بريئة لم يتلوثوا بعد بمشاكل الحياة.”
يضيف كامل: “على الوالدين إشاعة الحب في البيت وترك مشكلاتهما في فراش الزوجية, لأن الأولاد في سن مبكرة، بحاجة إلى الرعاية النفسية الأبوية, فإذا انعدم الاهتمام بهم سيفكرون في الخروج الى الشوارع هرباً من جحيم مشكلات أبويهم, وقد ينحرف منهم من لا يجد الاهتمام به, ولا مناص من البحث عنه خارج البيت, فعلى الأب والأم تحمل مسؤولية التربية الصحيحة وتهيئة أجواء الأمان لأبنائهما وجعلها باكورة تحمل مسؤولية الزواج بينهما, فقضية تكوين عائلة مستقرة مهمة كبيرة”.
جارتي تستغل ابنتي
تقول أم علاء (37 عاماً) من بغداد لـ “الشبكة”: “كنت كثيراً ما أتشاجر مع زوجي حينما يعود إلى البيت متأخراً, ويشتد الشجار ليبدأ زوجي بتعنيفي، فيضطر أبنائي الثلاثة، وفيهم ابنتي -في الثالثة عشرة من عمرها- لاتخاذ منزل جارنا ملاذاً آمناً لهم من تداعيات هذا الشجار, فقد تعود أبنائي على ترك البيت مراراً وتكراراً والذهاب إلى بيت جارنا، وأحيانا من دون سبب, وفي إحدى المرات أدركت أن جارتي تستغل ابنتي في القيام بأعمال منزلية، بالرغم من أنها أم لأربع فتيات يقدرن على العمل، لكني أدركت أن ابنتي لا تقاوم إرادة تلك المرأة ولم تعارضها إذ كانت شخصيتها ضعيفة أمامها”.
وأضافت أن “ظهور ابنتي بهذا الشكل المهزوز سببه الخوف الذي كان ينتابها نتيجة الشجار بيني وبين والدها، ما جعلها ضعيفة التركيز, مع قلة احترامها لنفسها، وغاب عنها ما الذي يصح او لا يصح، بعدما تعودت الهروب من المشكلات في بيتنا, وكونها بنتاً وليست ولداً يمكن أن يمكث في بيت صديقه او جاره, كما علمت أن ولديَّ الاثنين صارا عرضة لاستهزاء أبناء الجيران، وأصبحا لا يقدران على الدفاع عن نفسيهما أمام أقاويل وافتراءات أقرانهما من أبناء المنطقة, وهذه المشكلة كنت أنا سببها بالدرجة الأولى, لذا استسلمت لأمر الزوج وتركت مساءلته عن التأخير حفاظاً على نفسية وشخصية أبنائي الثلاثة”.
كان مترفاً فاصبح مشرداً..
يقول أبو حسن(62 عاماً) إنه “يهتم برجل قارب عمره الأربعين عاماً، مصاب بانفصام الشخصية, يأتيني بين الحين والآخر أو أبحث عنه، فأعتني بنظافته في بيتي وأعطيه ملابس جديدة وآويه أياماً عدة, لكنه سرعان ما يخرج رغماً عني, مدعياً ذهابه إلى بيت والدته المتوفاة قبل خمسة عشر عاماً، إذ أنه يزور قبرها بين الحين والآخر وينام في خربة متهالكة او هياكل متروكة.”
يضيف ابو حسن: “الرجل كان يعيش مترفاً بين والديه وإخوته، لكن حاله تغير فأصبح مشرداً، حدث ذلك بعدما شاهد والده يبرح والدته ضرباً فيدميها حد الإغماء، إذ تنقل إلى المستشفى, لذا أكثر من خروجه وتركه البيت حتى صار يغيب أياماً عن أهله، بل وصل حاله إلى عدم الاستدلال على بيته مراراً، وبعد علمه بوفاة والدته استدل على قبرها فأخذ يزوره نهاراً، وقبل حلول الظلام يعود مجدداً الى الشارع”.
حزن وأسى
يرجع الأستاذ الدكتور ضياء عبد الله أحمد، أستاذ العلوم الإنسانية في كلية التربية / ابن رشد / جامعة بغداد, السلوكيات المنحرفة وقلق الشخصية لدى بعض أبناء العائلات الى المشاكل بين الزوجين فيها.
ويقول في حديثه لـ “الشبكة”: إن “مشكلات الازواج تؤثر على نشأة الأطفال المستقبلية، فتضعف لديهم الثقة بالنفس، ويفقدون الأمان في الشركاء مستقبلاً, ويشعرون بأن حياتهم تنهار وتتعدد أمامهم صور القلق والغضب والشعور بالصدمة وعدم التصديق، وفي المعتاد تتقلص ردود أفعالهم تلك وتختفي بمرور الوقت، لكن لدى بعضهم تستمر تلك الآثار طويلاً.”
يضيف الدكتور ضياء: “في حال تطور الخلاف الى الطلاق تكون الآثار على الأبناء متباينة من شخص إلى آخر, حسب طبيعته ونضجه وعمره وطريقة انفصال الوالدين, فيواجه الأبناء صعوبة السيطرة على المشاعر وتقبل قرار الانفصال, فيتأثرون نفسياً وعاطفياً, ومن تلك التأثيرات الشعور بالحزن والأسى وصعوبة التكيف مع انفصال الوالدين, والإحساس بالإثم والذنب, والاكتئاب والقلق والخوف والتوتر, فضلاً عن كره تكوين أسرة, وفقدان التعامل مع الآخرين بروح متفائلة مستقبلاً.”